الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد تضمّن سؤالك عدة أمور، وسيكون الجواب في النقاط التالية:
1ـ يجوز للمصلي إذا عجز عن القيام في الصلاة أو حصلت له مشقة زائدة يصعب عليه تحملها؛ أن يصلي جالسًا على الكرسي، أو الأرض، وانظر الفتوى: 25092.
2ـ الحرص على القُرب من الإمام في الصف مرغب فيه، ومأجور صاحبه، ولا يحق للمؤذن، ولا لغيره، أن يصد عنه من يرغب فيه.
جاء في إعانة الطالبين في الفقه الشافعي: والوقوف بقُرب الإمام في صف، أفضل من البعد عنه فيه. اهـ. وراجع المزيد في الفتوى: 35608.
3ـ الصلاة على الكرسي لا تقطع الصف، فبالإمكان التقارب بين المصلين، بحيث لا توجد فرجة بين صاحب الكرسي، وغيره من المصلين. وبالتالي؛ فلا يحق للمؤذن المذكور إرغام من يصلي على كرسي أن يكون في نهاية الصف، فقد حدّد بعض العلماء المسافة التي تقطع الصف بثلاثة أذرع، وبعضهم ضبطها بالعرف، أي بحيث يكون الصف متصلاً عرفًا.
قال المرداوي في الإنصاف: قوله: ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم. وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات. وعنه لا يكره لهم ذلك، كالإمام، وكالمنبر.
فائدة: قوله إذا قطعت صفوفهم، أطلق ذلك كغيره، وكأنه يرجع إلى العرف. قال ابن منجا في شرحه: شرط بعض أصحابنا أن يكون عرض السارية ثلاثة أذرع، لأن ذلك هو الذي يقطع الصف، ونقله أبو المعالي أيضًا، وقال في الفروع: ويتوجه أكثر من ثلاثة، أو العرف، ومثل نظائره. انتهى.
4ـ من يصلي على كرسي عليه أن يبذل ما يستطيع من الاعتدال والمساواة مع الصف، فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه، كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16}. ويحاذي الصف بموضع جلوسه، لأنه الموضع الذي يستقرّ عليه البدن. ففي الموسوعة الفقهية الكويتية: والاعتبار في التقدم وعدمه للقائم بالعقب، وهو مؤخر القدم لا الكعب، فلو تساويا في العقب، وتقدمت أصابع المأموم، لطول قدمه، لم يضر. والعبرة في التقدم بالإلية للقاعدين، وبالجنب للمضطجعين. اهـ.
5ـ لا نرى أن المؤذن على صواب فيما يفعله من معاملة المصلين على الكراسي، ولو كان يرى أنهم يقطعون الصف، بل ينبغي أن يعاملهم بحكمة، ورفق، ويسعى الجميع للتعاون على تسوية الصفوف، وإقامتها. فإن الرفق مطلوب شرعًا. فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. رواه الإمام مسلم، وغيره.
والله أعلم.