الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن البط البري الذي يطير، ولا يقدر عليه، يجزئ فيه الصيد، ولا يجب ذبحه، وهو من طير الماء -كما هو معروف- فإذا وقع في الماء بعد صيده: فلا يؤثر ذلك في إباحته.
جاء في «المغني» لابن قدامة: ولو وقع الحيوان في الماء على وجه لا يقتله، مثل أن يكون رأسه خارجا من الماء، أو يكون من طير الماء الذي لا يقتله الماء، أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان، فلا خلاف في إباحته؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فإن وجدته غريقا في الماء، فلا تأكله"؛ ولأن الوقوع في الماء، والتردي إنما حرم خشية أن يكون قاتلا، أو معينا على القتل، وهذا منتف فيما ذكرناه.انتهى.
وأما البط الأهلي المقدور عليه: فليس صيدا، ولا بد من تذكيته بذبحه.
جاء في «تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق» للزيلعي: وللمحرم ذبح شاة، وبقرة، وبعير، ودجاجة، وبط أهلي؛ لإجماع الأمة عليه؛ ولأنه ممنوع من الصيد، وهي ليست بصيود، والمراد بالبط التي تكون في المساكن، والحياض، ولا تطير؛ لأنها ألوف بأصل الخلقة، كالدجاج، وأما التي تطير، فصيد، فيجب بقتلها الجزاء.
وجاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية»: الحيوان إما أن يكون مقدورا عليه، كالمستأنس من الدواب، والطيور، أو غير مقدور عليه، كالمستوحش منها. ولهذا كانت الذكاة نوعين: (الأول): الذبح، أو النحر على حسب نوع الحيوان، إن كان مقدورا عليه. (الثاني): الصيد بالرمي، أو بإرسال الجارحة عند امتناع الحيوان، وتوحشه بالطيران، أو العدو، وهو كالبدل عن الأول، إذ لم يجزه الشارع، إلا عند العجز عنه رحمة بالناس، ورعاية لحاجاتهم. ومن هنا انقسمت الذكاة إلى " اختيارية "، وهي النوع الأول "، واضطرارية "، وهي النوع الثاني. وقد انفرد الحنفية بتسمية هذين النوعين بهذين الاسمين. وسمى بعض الفقهاء النوع الأول ذكاة المقدور عليه، والنوع الثاني ذكاة غير المقدور عليه.
والله أعلم.