الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز الترخص بقول من الأقوال المعتبرة لبعض العلماء في مثل المسائل المذكورة، لدفع الحرج. بشرط أن يكون المترخِّص بذلك؛ مطمئنا إلى صحة القول الذي يترخص به.
أمّا إذا كان غير مطمئن إلى صحة هذا القول؛ فلا يجوز له العمل به.
قال ابن القيم -رحمه الله-: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِمُجَرَّدِ فَتْوَى الْمُفْتِي إذَا لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ، وَحَاكَ فِي صَدْرِهِ مِنْ قَبُولِهِ، وَتَرَدَّدَ فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْتَفْتِ نَفْسَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ، وَأَفْتَوْكَ» فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَفْتِيَ نَفْسَهُ أَوَّلًا، وَلَا تُخَلِّصُهُ فَتْوَى الْمُفْتِي مِنْ اللَّهِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مَا أَفْتَاهُ، كَمَا لَا يَنْفَعُهُ قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذُهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ».
وَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا يَظُنُّ الْمُسْتَفْتِي أَنَّ مُجَرَّدَ فَتْوَى الْفَقِيهِ تُبِيحُ لَهُ مَا سَأَلَ عَنْهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ فِي الْبَاطِنِ، سَوَاءٌ تَرَدَّدَ أَوْ حَاكَ فِي صَدْرِهِ، لِعِلْمِهِ بِالْحَالِ فِي الْبَاطِنِ، أَوْ لِشَكِّهِ فِيهِ، أَوْ لِجَهْلِهِ بِهِ، أَوْ لِعِلْمِهِ جَهْلَ الْمُفْتِي أَوْ مُحَابَاتِهِ فِي فَتْوَاهُ، أَوْ عَدَمَ تَقيُّدِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَوْ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْفَتْوَى بِالْحِيَلِ وَالرُّخَصِ الْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِن الثِّقَةِ بِفَتْوَاهُ وَسُكُونِ النَّفْسِ إلَيْهَا؛ فَإِنْ كَانَ عَدَمُ الثِّقَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ لِأَجْلِ الْمُفْتِي يَسْأَلُ ثَانِيًا وَثَالِثًا حَتَّى تَحْصُلَ لَهُ الطُّمَأْنِينَةُ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا يُكَلِّفْ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَالْوَاجِبُ تَقْوَى اللَّهِ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَة. انتهى من إعلام الموقعين عن رب العالمين.
وراجع الفتوى: 417406
والله أعلم.