الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فصلاة هذا الإمام صحيحة لا تجب إعادتها، ووقوفه عند رأس الميت سُنَّة، لا واجب، فما دام الميت حاضرا بين يديه، فحيث وقف منه أجزأ.
قال الخطيب الشربيني: وَيَقِفُ الْمُصَلِّي نَدْبًا مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ، عِنْدَ رَأْسِ الذَّكَرِ -الرَّجُلِ- أَوْ الصَّغِيرِ، وَعَجُزِهَا: أَيْ الْأُنْثَى. انتهى.
وقال البهوتي في شرح الإقناع: وَيُسَنُّ أَنْ يَقُومَ إمَامٌ عِنْدَ صَدْرِ رَجُلٍ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ: عِنْدَ رَأْسِهِ، لِلْخَبَرِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ، لِقُرْبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، فَالْوَاقِفْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَاقِفٌ عِنْدَ الْآخَرِ، وَوَسَطِ امْرَأَةٍ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ صَالِح، وَأَبِي الْحَارِثِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَجَعْفَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَأَبِي الصَّقْرِ، وَحَنْبَلٍ، وَحَرْبٍ، وَسِنْدِي الْخَوَاتِيمِيِّ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ: صَلَّى عَلَى رَجُلٍ، فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ، فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ، فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْجِنَازَةِ مُقَامَكَ مِنْهَا، وَمِنْ الرَّجُلِ مُقَامَك مِنْهُ، قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: احْفَظُوا ـ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. انتهى.
وقال في مطالب أولي النهى: وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسَامِتَ الْإِمَامُ الْمَيِّتَ، بَلْ يُسْتَحَبُّ اقْتِدَاءٌ بِفِعْلِ السَّلَفِ، فَإِنْ لَمْ يُسَامِتْهُ الْإِمَامُ، بِأَنْ تَأَخَّرَ، وَتَحَوَّلَ يَمْنَةً، أَوْ يَسْرَةً، كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَحُشَ تَحَوُّلُهُ عَنْهُ، بِحَيْثُ غَابَ عَنْ نَظَرِهِ، أَوْ جَعَلَهُ عَلَى عُلُوٍّ: أَوْ فِي بِئْرٍ، لَمْ تَصِحَّ، لِاشْتِرَاطِ حُضُورِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ. انتهى.
فما فعله هذا الإمام غير مشروع، بل نص فقهاء الحنابلة على كراهة إعادة صلاة الجنازة لمن صلى عليها، قال الرحيباني: وَكُرِهَ لِمَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ إعَادَتُهَا، أَيْ: الصَّلَاةِ، قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ كَالْعِيدِ. انتهى.
لكننا نرجو أن هذا الإمام كان معذورًا؛ لتأوُّلِه، وعدم علمه بالحكم، وبكل حال، فقد أجزأتكم صلاتكم.
والله أعلم.