الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كنت لم تعتمر قبل؛ فالواجب عليك المبادرة بالعمرة ما دمت قادرا؛ ولا يجوز لك إيثار أمّك بالذهاب إلى العمرة في هذه الحال؛ لأنّ الإيثار لا يجوز في الواجبات.
قال السيوطي في الأشباه والنظائر: وقال الشيخ أبو محمد، في الفروق: من دخل عليه وقت الصلاة، ومعه ما يكفيه لطهارته، وهناك من يحتاجه للطهارة، لم يجز له الإيثار. انتهى.
والعمرة واجبة على القول المفتى به عندنا، وراجع الفتوى: 28369.
أمّا إذا كنت اعتمرْتَ العمرة الواجبة قبل ذلك، وتريد العمرة تطوعا؛ فإيثارك أمّك بالعمرة؛ محل خلاف بين أهل العلم، فبعضهم كرهه، وبعضهم أباحه، وراجع الفتوى: 59691.
والراجح عندنا جوازه إذا كان فيه مصلحة شرعية؛ كتقديم أهل العلم، وأهل الفضل كالوالدين.
قال ابن عابدين -رحمه الله- في حاشيته على الدر المختار: وفي حاشية الأشباه للحموي...: وإن سبق أحد إلى الصف الأول فدخل رجل أكبر منه سنا، أو أهل علم، ينبغي أن يتأخر ويقدمه، تعظيما له، اهـ، فهذا يفيد جواز الإيثار بالقرب بلا كراهة، خلافا للشافعية........ أقول: وينبغي تقييد المسألة بما إذا عارض تلك القربة ما هو أفضل منها؛ كاحترام أهل العلم والأشياخ..... فيكون الإيثار بالقربة انتقالا من قربة إلى ما هو أفضل منها، وهو الاحترام المذكور، أما لو آثره على مكانه في الصف مثلا من ليس كذلك، يكون أعرض عن القربة بلا داع، وهو خلاف المطلوب شرعا. انتهى مختصرا.
والذي نراه- والله أعلم- أنّ أمّك إذا كانت رغبتها في العمرة أكثر من رغبتها في علاج أسنانها؛ أن تقدم بذل المال في النفقة على ذهاب أمّك إلى العمرة.
وأمّا إذا كانت المصلحة في تقديم علاج أسنانها، وكان ذلك يسرها أكثر؛ فقدّم علاج أسنانها، فإنّ برّ الأمّ وإدخال السرور عليها؛ من أعظم الأعمال الصالحة وأقربها إلى الله.
ففي الأدب المفرد للبخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- :.. إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ.
والله أعلم.