الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذمة الشريكين في شركة العقود ذمة واحدة، فكل منهما حَميل وكفيل عن شريكه في ديون الشركة. ولصاحب الدين أن يطالب أيّاً منهما بما له على الشركة، ثم يرجع كل شريك على شريكه بما تحمَّل عنه.
قال المَرْغِينانيّ في الهداية: (وما يلزم كل واحد منهما من الديون بدلا عما يصح فيه الاشتراك، فالآخر ضامن له) تحقيقا للمساواة، فمما يصح الاشتراك فيه الشراء والبيع والاستئجار .. اهـ.
وقال البابرتي في العناية شرح الهداية: أما صورة البيع والشراء فظاهرة.
وأما صورة الاستئجار فهو أن يستأجر أحد المتفاوضين أجيرا في تجارتهما، أو دابة أو شيئا من الأشياء. للمؤجر أن يأخذ أيهما شاء؛ لأن الإجارة من عقود التجارة، وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه بما يلزمه بالتجارة ..
فللمكارى أن يأخذ أيهما شاء، إلا أن شريكه إذا أدى من خالص ماله، رجع به عليه؛ لأنه أدى ما كفل عنه بأمره، وإن أدى من مال الشركة يرجع عليه بنصيب من المؤدى. اهـ.
وقال البابرتي أيضا: إذا افترق المتفاوضان وعليهما دين، فلأصحابه أن يأخذوا أيهما شاءوا بجميع ذلك. فإن أدى أحدهما شيئا لم يرجع على شريكه بشيء حتى يزيد المؤدى على النصف، فيرجع بالزيادة؛ لأنها تنعقد على الكفالة بما كان من ضمان التجارة، وحينئذ كان للغرماء أن يطالبوا أيهما شاءوا بجميع الدين؛ لأن الكفالة تثبت بعقد المفاوضة قبل الافتراق، فلا تبطل بالافتراق، فإذا طلبوا أحدهما وأخذوا الدين منه ليس له أن يرجع على صاحبه حتى يؤدي أكثر من النصف. اهـ.
وانظر الفتويين: 264853، 59764.
وعلى ذلك، فأصحاب هذه الحقوق إن طالبوا السائل بحقهم، وجب عليه بذله كله لهم، من ماله إن كان له مال، ثم بعد ذلك يرجع على شريكه بما عليه.
وأما إن لم يكن له مال خاص، فهو معسر، والمعسر لا يجب عليه الاستدانة، بل يجب على غريمه إنظاره إلى الميسرة، كما قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}.
قال السعدي: {وإن كان} المدين {ذو عسرة} لا يجد وفاء {فنظرة إلى ميسرة} وهذا واجب عليه أن ينظره حتى يجد ما يوفي به {وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} إما بإسقاطها أو بعضها. اهـ.
وراجع للفائدة، الفتوى: 12311.
ومع ذلك فلو استدان وقضى حقهم، فلا حرج عليه، فقد استبدل بذلك دينا بدين.
وأما مسألة الشخصية الاعتبارية، فهي محل بحث وتفصيل بين المعاصرين، وخاصة في أثر التفريق بين الشخصيتين على اختلاف الأحكام الفقهية المتعلقة بهما، كما سبقت الإشارة إليه في الفتوى: 382516. ولكن هذا لا يعني خلو ذمة الشركاء من الحقوق الثابتة في ذمة الشركة.
قال الشيخ علي الخفيف في كتابه: الشركات في الفقه الإسلامي، ص 35، 36: لم نجد من فقهاء الإسلام من يرى أن للشركات ذمة مستقلة؛ لأنها مملوكة لأشخاص معينين، فهي وما يترتب عليها من حقوق لأربابها وهم الشركاء فيها ...
ومما انبنى على ذلك في الفقه الإسلامي أن ما يترتب من ديون على تصرف أي شريك في الشركة، لا يقتصر وفاؤه على رأس مال الشركة، بل يتجاوزه إلى أموال الشركاء الخاصة الخارجة عن عقد الاشتراك؛ إذ إن الدين عند ثبوته يثبت في ذمة المتصرف باعتباره مباشرا للعقد بصفة الأصالة عن نفسه، وباعتباره كذلك وكيلا عن أصحابه، فكان له بناء على هذه الوكالة حق الرجوع على أصحابه بما يخصهم من الدين. وهذا عند الفقهاء جميعا بناء على أنه ليس للشركة ذمة.
أما التشريع الوضعي ففي الشركة المدنية، نصت المادة 523 مدني على ما يلي: "إذا لم تف أموال الشركة بديونها كان الشركاء مسؤولين عن هذه الديون في أموالهم الخاصة، كل بنسبة نصيبه في خسائر الشركة، ما لم يوجد اتفاق على نسبة أخرى. ويكون باطلاً كل اتفاق يعفي الشريك من المسؤولية عن ديون الشركة. اهـ.
والله أعلم.