الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا أقيمت الصلاة على المسلم في مسجد، أو في مصلى، فإن عليه أن يدخل في الصلاة المكتوبة مع الجماعة، ولا يدخل معهم بنية السنة الراتبة، ولا غير ذلك؛ لما في الدخول معهم من امتثال المسارعة والمبادرة لأداء الفريضة. ولما رواه مسلم في صحيحه وغيره، أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ. ولما جاء في صحيح البخاري أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث القدسي: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ.
يقول النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم: فِيهَا النَّهْيُ الصَّرِيحُ عَنِ افْتِتَاحِ نَافِلَةٍ بَعْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ رَاتِبَةً كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَوْ غَيْرِهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ. اهـ.
وقال بعض العلماء إن قوله -صلى الله عليه وسلم-:"فَلَا صَلَاةَ". يحتمل أن يراد: فلا يَشْرَع حينئذٍ في صلاة غير الفريضة، ويحتمل أن يراد: فلا يشتغل بصلاة غيرها، أو أنها باطلة بنفسها.
فالانشغال بالنافلة في ذلك الوقت انشغالٌ بالمفضول عن الفاضل، ورغبة المسلم في أداء السنة في ذلك الوقت قد تكون من كيد الشيطان؛ ليشغله عن الأفضل.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد: الشيطان يفتح أو يأمر بسبعين بابا من أبواب الخير، إما: ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيرا أعظم من تلك السبعين. اهـ.
ولذلك، فالصحيح أن يصلي الفريضة مع الجماعة التي أقيمت عليه صلاتها، ثم يصلي بعدها الراتبة القبلية والبعدية.
والله أعلم.