الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعلى مذهب الجمهور لا يصير السائل مستوطنا بنية الإقامة لخمس سنوات، بل لا بد من نية التأبيد.
قال الخرشي في شرح مختصر خليل: الاستيطان هو العزم على الإقامة على نية التأبيد، ولا تكفي نية الإقامة ولو طالت. اهـ.
وقال الحطاب في «مواهب الجليل»: الاستيطان قال الباجي: هو الإقامة بنية التأبيد، ونقله ابن فرحون وابن الفرات وغيرهم. وقال في التوضيح في باب الحج: حقيقة التوطن الإقامة بعدم نية الانتقال. اهـ.
وعلى هذا؛ فلا تصح صلاة الجمعة من السائل وأصحابه، إن كانوا مثله في عدم الاستيطان -إن صلوا وحدهم-، وإنما يجب عليهم الظهر، إن لم يستطيعوا أن يصلوا في المسجد. وانظر الفتاوى: 237976، 249553، 287392.
ومن أهل العلم من يصحح الجمعة في مثل حال السائل وأصحابه إذا كانوا يرون مصلحة في إقامتها، كما أشرنا إليه في الفتوى: 193377.
كما أن من أهل العلم من لا يفرق بين المقيم المستوطن، وغير المستوطن، فكما تجب عليهما الجمعة، تنعقد بهما أيضا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: قد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام: إلى مسافر، وإلى مقيم مستوطن ... والثالث مقيم غير مستوطن، أوجبوا عليه إتمام الصلاة، والصيام، وأوجبوا عليه الجمعة، وقالوا: لا تنعقد به الجمعة. وقالوا: إنما تنعقد الجمعة بمستوطن. وهذا التقسيم - وهو تقسيم المقيم إلى مستوطن، وغير مستوطن - تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع، ولا دليل على أنها تجب على من لا تنعقد به؛ بل من وجبت عليه انعقدت به. اهـ.
وقال أيضا: ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله إلا مقيم ومسافر. والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة، وهؤلاء تجب عليهم الجمعة؛ لأن قوله {إذا نودي للصلاة} ونحوها يتناولهم، وليس لهم عذر، ولا ينبغي أن يكون في مصر المسلمين من لا يصلي الجمعة إلا من هو عاجز عنها؛ كالمريض والمحبوس. اهـ.
والله أعلم.