الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما إخبار الزبون بحقيقة الحال، وصدقه في الأمر؛ فهذا واجب، ولا يجوز الكذب عليه.
وأما سكوت السائل إذا كذب مشرفه على الزبون؛ فلا نرى أنه يسعه ذلك، بل يجب عليه بيان الحال، بحسب القدرة؛ لأن السكوت هنا يترتب عليه ضياع الحق، وأكل مال بالباطل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا، كيف أنصره؟ قال: تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره. رواه البخاري.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}، يقال: لوى يلوي لسانه: فيخبر بالكذب. والإعراض: أن يكتم الحق؛ فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس. اهـ.
وأما مسألة الضمان، وهي المسألة المهمة في هذه القضية؛ فالجمهور على أن الأجير المشترك -كصاحب هذه الورشة-، يضمن إذا كان التلف بسبب يرجع إلى فعله، سواء أكان متعديًا أم لا، وسواء تجاوز المعتاد أو لم يتجاوز.
وأما ما تلف بسبب لا يرجع إلى فعله، كالحفظ من السرقة مثلًا؛ فلا يضمن، إن لم يكن منه تعدٍّ، أو تفريط. وراجع في ذلك الفتاوى: 67157، 345349، 14393.
وعلى ذلك؛ فالضمان هنا يكون على صاحب الورشة -الذي هو الأجير المشترك-.
وأما السائل، فهو أجير خاص عند صاحب الورشة؛ فلا يضمن ما تلف لصاحب الورشة، إلا إذا تعدّى، أو فرّط، قال المرداوي في (الإنصاف): لو استأجر أجير مشترك أجيرًا خاصًّا، كالخياط في دكان يستأجر أجيرًا خاصًّا، فيستقبل المشترك خياطة ثوب، ثم يدفعه إلى الأجير الخاص، فخرقه، أو أفسده: لم يضمنه الخاص، ويضمنه الأجير المشترك لربّه. قاله الأصحاب. اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية) في مبحث ضمان الشخص الضرر الناشئ عن فعل غيره، وما يلتحق به، تحت عنوان: (ضمان الشخص لأفعال التابعين له): يتمثل هذا في الخادم في المنزل، والطاهي في المطعم، والمستخدم في المحل، والعامل في المصنع، والموظف في الحكومة، وفي سائق السيارة لمالكها، كل في دائرة عمله. والعلاقة هنا عقدية .. والفقهاء بحثوا هذا في باب الإجارة، في أحكام الأجير الخاص، وفي تلميذ الأجير المشترك عند الحنفية، وهو الذي يعمل لواحد عملًا مؤقتًا بالتخصيص، ويستحق أجره بتسليم نفسه في المدة، وإن لم يعمل. والمعقود عليه هو منفعته، ولا يضمن ما هلك في يده بغير صنعه؛ لأن العين أمانة في يده؛ لأنه قبض بإذنه، ولا يضمن ما هلك من عمله المأذون فيه؛ لأن المنافع متى صارت مملوكة للمستأجر، فإذا أمره بالتصرف في ملكه، صحّ، ويصير نائبًا منابه، فيصير فعله منقولًا إليه، كأنه فعله بنفسه؛ فلهذا لا يضمنه، وإنما الضمان في ذلك على مخدومه. اهـ.
والله أعلم.