الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى: 157575 خلاف الفقهاء فيمن سلّم من صلاته منكّرًا للفظ السلام -أي بدون الألف واللام-، هل يجزئه ذلك أم لا؟
قال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ قَالَ: "سَلَامٌ عَلَيْكُمْ" مُنَكِّرًا مُنَوِّنًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ ... لِأَنَّ التَّنْوِينَ قَامَ مَقَامَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ السَّلَامِ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد:24]، وَقَوْلِهِ: {يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} [النحل:32]، وَقَوْلِهِ: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الزمر:73]، وَلِأَنَّا أَجَزْنَا التَّشَهُّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَفِيهِمَا: "سَلَامٌ عَلَيْك" بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ، وَالتَّسْلِيمَتَانِ وَاحِدٌ.
وَالْآخَرُ: لَا يُجْزِئُهُ ...
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنَوِّنَ التَّسْلِيمَ أَوْ لَا يُنَوِّنَهُ؛ لِأَنَّ حَذْفَ التَّنْوِينِ لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ. اهــ مختصرًا.
والقول بالصحة له حظ من النظر، وفيه توسعة على الناس، لا سيما إذا كان تنكير السلام هو الشائع بين الأئمة، وغيرهم؛ فمثل هذا لا يشدد فيه الفقهاء، ويقولون بالعفو عنه؛ لمشقة الاحتراز، ولما في خلافه من الشدة من القول بإبطال صلاة الناس، كما قاله بعض الحنابلة في مسألة تكبيرات الانتقال؛ فإن المذهب عندهم أنها واجبة في محلها، وهو الانتقال، وأن من أتمّها في غير الانتقال، فقد ترك واجبًا متعمدًا تبطل به الصلاة، ولكنهم خففوا في هذا، كما قال في شرح المنتهى: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ يَعْسُرُ، وَالسَّهْوَ بِهِ يَكْثُرُ، فَفِي الْإِبْطَالِ بِهِ وَالسُّجُودِ لَهُ مَشَقَّةٌ. اهــ.
فكذا لو كان تنكير السلام هو الشائع عند الناس، وتصحّ به الصلاة عند بعض أهل العلم، فلا مناص من القول بالصحة حينئذ، ومن أراد الاحتياط ولم يصلّ خلف إمام ينكّر السلام، لم يُنكَر عليه.
والله أعلم.