الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج كربتكم، وأن يذهب غربتكم، وأن ييسر لكم أمركم، ثم اعلموا أن من قواعد الدين الأساسية قاعدة الحرج، وكون المشقة تجلب التيسير، فقد قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج: من الآية78)، وقال سبحانه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة: من الآية185)، فما دام الحال على ما ذكرتم فالواجب عليكم أداء الصلاة على الهيئة التي يمكنكم بها أداء الفرض، ولو كان ذلك بالقلب، بل إذا لم تتيسر الطهارة بالماء أو التراب صليتم على غير ماء ولا تيمم، وذلك أن الصلاة لا تسقط عن المرء بحال ما دام عنده عقله، إذا أن العقل هو مناط التكليف، فالحاصل أن الواجب عليكم أداء الصلاة ولكن على حال لا يترتب عليكم فيه ضرر.
وبخصوص ما يقع من إكراهكم على التلفظ بكلمة الكفر، فلا حرج عليكم في ذلك ما دامت قلوبكم مطمئنة بالإيمان، فقد فعل مثل ذلك بعمار بن ياسر رضي الله عنهما وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعذرهم الله تعالى، روى الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنهما، فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي في التلخيص.
ونذكركم في ختام هذا الجواب بالصبر على هذا الابتلاء لأن في ذلك تكفيراً للسيئات ورفعة للدرجات، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ونوصيكم بالثبات على دينكم، وأن تتذكروا أن هذا سبيل المؤمنين قبلكم، روى البخاري عن خباب رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، ولَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله.
فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
والله أعلم.