الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما قرأتِه في موقعنا من كيفية تطهير الثوب المتنجس ونحوه هذه السجادة هو الموافق لمذهب الجمهور، فعندهم أنه لا يجزئ غمس الثوب المتنجس في الإناء، بل سيتنجس الماء بذلك، ولن يطهر الثوب، ولا بد من أن يرد الماء على النجاسة، لا أن ترد النجاسة على الماء، حتى يحكم بطهارة هذا الثوب المتنجس.
فإذا غمس الثوب في الإناء تنجس الماء بذلك عند الجمهور، ووجبت إراقة الماء، وغسل الثوب والإناء، إذا أريد الانتفاع به.
قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ -إنْ كَانَ قَلِيلًا فِي الْأَصَحِّ- لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ لَوْ عُكِسَ، لَمَا عُلِمَ مِمَّا سَلَفَ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ. انتهى
وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: (إنْ وَضَعَهُ) أَيْ: الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ (فِي إنَاءٍ وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَغَسَلَهُ وَاحِدَةً يُبْنَى عَلَيْهَا) بَعْدَ عَصْرِهِ، حَتَّى يَحْصُلَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ (وَيَطْهُرُ) الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ بِذَلِكَ (نَصًّا)؛ لِأَنَّ الْمَاءَ وَارِدٌ عَلَى مَحَلِّ التَّطْهِيرِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَبَّهُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ، وَإِنْ غُمِسَ النَّجِسُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، نَجُسَ الْمَاءُ، وَلَمْ يَطْهُرْ النَّجِسُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا غَسْلَةً. انتهى. فهذا حاصل مذهب الجمهور، وهو ما قرأتِه في موقعنا.
وذهب المالكية إلى أنه إن غمس الثوب في الماء بحيث زالت النجاسة، ولم يتغير الماء حكم بطهارة الثوب بذلك.
جاء في لوامع الدرر في هتك أستار المختصر لمحمد بن محمد سالم المجلسي الشنقيطي شارحا قول خليل: (وورود الماء على النجاسة كعكسه) قال: يعني أن الماء المطلق يطهر المُتنجِّس؛ سواء ورد الماء على المتنجس بأن يوضع الثوب مثلا في شيء، ويصب عليه الماء المطلق، أو يجعل الماء في إناء مثلا، ويورد عليه الثوب المتنجس بأن يوضع فيه، وينفصل الماء في كلتا المسألتين طهورا أو طاهرا. انتهى.
وعلى قول المالكية ومن وافقهم، فإن كان هذا الماء تغير بوضع السجادة فيه فقد تنجس، والسجادة ما زالت متنجسة، وإن لم يتغير، فقد طهرت السجادة.
وهذا القول أرفق بالموسوس، ولا حرج على من كان موسوسا في العمل به؛ كما بينا ذلك في الفتوى: 181305.
والله أعلم.