الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمقيم الإفطار إلا بعذر من الأعذار التي تبيح الفطر، ومن الأعذار التي تبيح الفطر ظن مواجهة العدو أو تيقن ذلك ذلك استعداداً وتقوياً لمواجهته، لما رواه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، وكانت عزمة فأفطرنا...
وفي سنن أبي داود ومسند أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالفطر عام الفتح، وقال: تقووا لعدوكم.
قال الشوكاني رحمه الله: عند قوله عليه الصلاة والسلام: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم. فيه دليل على أن الفطر لمن وصل في سفره إلى موضع قريب من العدو أولى، لأنه ربما وصل إليهم العدو إلى ذلك الموضع الذي هو مظنة ملاقاة العدو، ولهذا كان الإفطار أولى ولم يتحتم، وأما إذا كان لقاء العدو متحققاً فالإفطار عزيمة، لأن الصائم يضعف عن منازلة الأقران، ولاسيما عند غليان مراجل الضرب والطعان، ولا يخفى ما في ذلك من الإهانة لجنود المحقين، وإدخال الوهن على عامة المجاهدين من المسلمين. انتهى.
وقد أوجب الفقهاء على من خاف على نفسه أو على غيره الهلاك أن يفطر وينقذ نفسه أو غيره، فإذا كان الصوم سبباً لضعف المسلمين أمام أعدائهم من الكافرين وتسلطهم عليهم والتمكن من رقابهم، فلا شك في مشروعية الإفطار سواءً كان ذلك في السفر أو الحضر، لأن العلة التي من أجلها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإفطار –وهي التقوي- مطلوبة في السفر والحضر.
وفي الفتاوى الهندية في الفقه الحنفي: الغازي إذا علم أنه يقاتل العدو في رمضان وهو يخاف الضعف فله أن يفطر، كذا في محيط السرخسي، فإن لم يتفق القتال فلا كفارة عليه، لأن القتال يحتاج إلى تقديم الإفطار ليتقوى...، وقال ابن جزي: من كان في سفر فأصبح على نية الصوم لم يجز له الفطر إلا بعذر، كالتغذي للقاء العدو.
وقال ابن القاسم في حاشيته على تحفة المحتاج: يجب عليه –أي يجب على المريض الفطر- إذا وجد به ضرراً شديداً بحيث يبيح له التيمم، وينبغي أن مثل خوف المرض أو زيادته ما لو قدم الكفار بلدة من بلاد المسلمين مثلاً واحتاجوا في دفعهم إلى الفطر ولم يقدروا على القتال إلا به جاز لهم، بل قد يجب إن تحققوا تسلط الكفار على المسلمين حيث لم يقاتلوهم.
وبهذا تتبين مشروعية الفطر في رمضان للتقوي لمقاتلة العدو ومواجهته.
وعليه؛ فإذا كان الأمر الصادر إليكم بالإفطار للتقوي للقيام بمهمة الذود عن المسلمين وحمايتهم، أو خشية هجوم عدو عليكم ونحو ذلك، فلا بأس، وعليكم قضاء هذه الأيام.
والله أعلم.