الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في التعامل مع الكفار فيما هو مباح من بيع أو شراء. ودليل هذا ما أخرجه البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعامًا بنسيئة، ورهنه درعه.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: الصحيح جواز معاملتهم مع رباهم، واقتحامهم ما حرم الله سبحانه عليهم، فقد قام الدليل على ذلك قرآنًا، وسنة. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: تجوز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم، ومعاملاتهم فيما بينهم. اهـ.
لكن المسلم إذا أمكنه الاستيراد من دولة مسلمة، والتعامل مع تجار مسلمين، فلا شك أن ذلك أولى له؛ لما فيه من تقوية اقتصاد المسلمين.
وإذا لم يجد ذلك، واحتاج إلى استيراد بضاعة مباحة بطريقة مشروعة من دولة غير مسلمة، فلا حرج عليه في ذلك، ولا يظهر هنا مقتض للورع، فإن الورع مجاله ترك الشبهات.
وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء، كما قال ابن حجر في فتح الباري:
أحدها: تعارض الأدلة كما تقدم.
ثانيها: اختلاف العلماء وهي منتزعة من الأولى.
ثالثها: أن المراد بها مسمى المكروه؛ لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك.
رابعها: أن المراد بها المباح، ولا يمكن لقائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى، بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج... والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول. اهـ
وعلى أية حال؛ فالورع المحمود هو الذي لا يحمل صاحبه على التنطع، وترك ما يتيقن حله، وإباحته، وانظر في ذلك الفتويين: 147741، 196231.
والله أعلم.