الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالشرك هو أن يجعل العبدُ مع الله شريكًا في ربوبيته، أو عبادته، أو أسمائه وصفاته، فمن أشرك مع الله تعالى أحدًا في شيء من هذه الثلاث، فهو مشرك.
ولا ينحصر الشرك في الجمع بين الشرك في العبادة والشرك في الربوبية، بل من عبد غير الله تعالى، فهو مشرك، وإن كان مقرًّا بأن الله وحده هو الرب، وأنه لا صاحبة له، ولا ولد له.
وقد أخبر الله في كتابه عن مشركي العرب أنهم كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله، قال الله تعالى: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا {الإسراء:40}، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى {النجم:53}، وقال تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا {الصافات:149-150}، وقال تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْألُونَ {الزخرف: 19}، وقال تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ {النحل:57}.
وقد ذكر أهل العلم أن خزاعة، وكنانة هما اللتان كانتا تعتقدان هذه العقيدة الفاسدة، قال الشنقيطي في أضواء البيان: فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِلَّهِ بَنَاتٍ إِنَاثًا، وَذَلِكَ أَنَّ خُزَاعَةَ، وَكِنَانَةَ كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ. اهــ.
ومن المعلوم أن شرك العرب ليس محصورًا في اعتقاد طائفة منهم تلك العقيدة الباطلة، بل كانوا يعبدون الأصنام، ومنهم من كان نصرانيًّا، ومنهم من دان باليهودية، ولكن الغالبية كانوا عبدة للأصنام.
والله أعلم.