الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك واهتمامك بأمر أبيك وأمك، ونسأل الله تعالى أن يصلح الحال، ويسود الوئام، ويفتح عليكم من أبواب رزقه؛ إنه سبحانه سميع مجيب.
ونوصيك بكثرة الدعاء، فلا يخيب من رجا الله تعالى، وطمع في رحمته، قال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.
والإنفاق واجب على أبيك لا على أمك، وهو من مقتضيات قوامته، كما قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ...... الآية{النساء:34}، فيجب عليه السعي في طلب الكسب بما يستطيع ليقوم بهذا الواجب، وراجعي الفتوى: 96234.
وإن من كريم خلق أمك كونها تبحث عن عمل حتى تستطيع أن تساعد في نفقة البيت، وليس ذلك بواجب عليها، وينبغي لأبيك أن يحفظ لها هذا المعروف، ويكافئها على هذا الجميل خيرا، ولو بالكلمة الطيبة، والدعاء لها، لا أن يقابل هذا الإحسان بالإساءة، بل وبالاتهام في العرض من غير بينة. وقد أحسنت بنصحك لأبيك، وفي المقابل ابذلي النصح لأمك فيما قد يقع منها من تقصير، ويجب عليها أن تؤدي إلى أبيك حقه، ولا تقصر في حقه بقدر ما تستطيع، وإن قصر هو في حقها، لئلا تتفاقم المشاكل، ويحدث ما لا تحمد عقباه، ولتسأل الله تعالى الحق الذي لها.
وقد نص أهل العلم على أنه يجب على المرأة إجابة زوجها إلى الفراش ما لم يشغلها ذلك عن فرضها، أو تتضرر منه، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 29461.
وفي الوقت ذاته ينبغي لأبيك مراعاة حالها ومشاعرها وسعيها وتعبها، وينبغي له مساعدتها في خدمة البيت، وفي هذا اقتداء بالمثل الأعلى لهذه الأمة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوضحنا ذلك في الفتوى: 27182.
وتحفظك من الكلام مع أبيك خشية دعائه عليك لا حرج فيه إن شاء الله، وليكن ذلك من غير قطيعة حتى لا تقعي في العقوق. والدعاء على الأولاد نهى عنه الشرع خشية أن يستجاب، ويكون الضرر، وراجعي الفتوى: 70831.
بقي أن ننبه إلى أنه لو أمكن أن يسلط على والدك بعض المقربين إليه من الأهل والأصدقاء لينصحوه فهو أمر حسن، وخاصة فيما يتعلق بالبحث عن عمل والقيام بالنفقة، فزوال هذا الإشكال قد يزول بسببه غيره من الإشكالات.
والله أعلم.