الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأعمّ في القرآن العظيم هو إطلاق الكفر على الكفر بالتوحيد والإيمان -وهو ما اصطلح العلماء على تسميته بالكفر الأكبر-، جاء في نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي:
الكفر: التغطية، والستر. وأنشدوا:
في ليلة كفر النجوم غمامها.
وذكر أهل التفسير أن الكفر في القرآن على خمسة أوجه:
أحدها: الكفر بالتوحيد، ومنه قوله تعالى في البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}، وفي الحج: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وهو الأعم في القرآن.
والثاني: كفران النعمة، ومنه قوله تعالى في البقرة: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}، وفي الشعراء: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، وفي النمل: {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}.
والثالث: التبري، ومنه قوله تعالى في العنكبوت: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ}، أي: يتبرأ بعضكم من بعض. وفي الممتحنة: {كَفَرْنَا بِكُمْ}.
والرابع: الجحود، ومنه قوله تعالى في البقرة: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}.
والخامس: التغطية، ومنه قوله تعالى في الحديد: {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}، يريد الزراع، الذين يغطون الحب. اهـ. باختصار.
والآيات التي فيها الكفر بمعنى الكفر الأكبر، لا تكاد تحصى، كقوله سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ {المائدة:72}، وقوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المائدة:73}، وقوله تعالى: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران:80}، وقوله تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ {التوبة:17}، وقوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106}، وغير ذلك كثير جدًّا.
والله أعلم.