الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التساهل في البدايات، غالبا ما يكون سببا للحصاد المر في النهايات، فالشرع قد بين الأسس التي ينبغي أن يكون عليها الاختيار، ومن أهمها دين وخلق الخاطب، ويمكن مطالعة الفتوى: 3145.
ولا يكفي الاغترار بما قد يظهر من حاله، بل الأولى أن يسأل عنه الثقات ممن عايشوه وتعاملوا معه؛ لأن ذلك أدعى لمعرفة حقيقة حاله.
أورد ابن قتيبة في عيون الأخبار: أن رجلا قال لعمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: إنّ فلانًا رجل صدق، قال: سافرت معه؟ قال: لا، قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال: لا، قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال: لا، قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه، ويخفضه في المسجد!. اهـ.
ومن كان مفرطا في حق الله عز وجل، فليس غريبا أن يفرط في حق الخلق، وفي حق زوجته خاصة، فيسيء عشرتها، منافيا لما أمره به ربه تبارك وتعالى من معاملتها بالحسنى، وحسن صحبتها، كما في قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{النساء:19}.
وفي معنى هذه الآية قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ.
وقال السعدي في تفسيره: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.
فينبغي أن ينصح هذا الرجل بالحكمة والموعظة الحسنة، ويذكر بالله عز وجل، ويخوف من أليم عقابه بظلمه لزوجته، فقد قال تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.
قال ابن كثير في تفسيره: قوله: إن الله كان عليًّا كبيرًا: تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممن ظلمهن, وبغى عليهن. اهـ.
فإن صلح حاله فبها ونعمت، وإلا فلها الحق في طلب الطلاق منه، بل الأولى المصير لذلك، فلا خير لها في البقاء في عصمة مثله. قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: وإذا ترك الزوج حقاً لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحب لها أن تختلع منه؛ لتركه حقوق الله تعالى. اهـ.
وللمزيد في مسوغات طلب المرأة الطلاق، يمكن مراجعة الفتوى: 37112.
وليس لأهلها إلزامها بالبقاء معه، ولا يلزمها طاعة والديها في ذلك؛ لأن الطاعة إنما تجب في المعروف، وليس من المعروف إجبارها على ما فيه ضرر عليها، وتراجع الفتوى: 76303، ففيها بيان حدود طاعة الوالدين.
وننبه إلى أن شك الزوج في زوجته من غير بينة، أو اتهامها في عرضها، أمر محرم، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث. ولا تحسسوا ولا تجسسوا.... الحديث.
وكل من التجسس والتحسس، ثمرة خبيثة من ثمار سوء الظن في الغالب.
والله أعلم.