الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمضاربة من أقسام الشركات المشروعة، وأشهر صورها أن يكون المال فيها من طرف، والعمل من الطرف الآخر. فالأول شارك بماله، والثاني شارك بعمله وجهده وخبرته.
وهنالك صورة أخرى من صور المضاربة فيما ذهب إليه بعض أهل العلم، وهي أن يتشارك اثنان أحدهما بماله وجهده، والثاني بجهده فقط.
قال ابن قدامة في المغني: أن يشترك بدنان بمال أحدهما: وهو أن يكون المال من أحدهما، والعمل منهما, مثل أن يخرج أحدهما ألفا, ويعملان فيه معا, والربح بينهما، فهذا جائز، ونص عليه أحمد في رواية أبي الحارث، وتكون مضاربة؛ لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال غيره, وهذا هو حقيقة المضاربة. اهـ.
وتقوم المضاربة على أمرين أساسيين:
أحدهما: أن لكل من رب المال والمضارب نسبة مشاعة من الربح حسبما يتفقان عليه، وليس لأحد منهما أن يشترط لنفسه قدراً معيناً من الربح. فلا يصح مثلا أن تكون نسبة الربح مضافة إلى رأس المال؛ لأنها حينئذ تكون مبلغا معلوما، بل تكون النسبة شائعة في الربح كأن يتفقا على أن لكل منهما نصف الربح إن حصل ربح، وهكذا حسبما يتفقان عليه.
والأمر الثاني: عدم ضمان رأس مال المضاربة؛ لأنها شراكة بينهما. فرب المال مشارك بماله، أو بماله وجهده، والعامل مشارك ـ بمجهوده فقط ـ فإذا حصلت خسارة في رأس المال يتحملها رب المال فقط. كما أن العامل يتحمل خسارة مجهوده.
وهذا فيما إذا لم يحصل من العامل تقصير ولا تفريط، ولا إهمال، ولا إخلال بما اشترطه رب المال. فإن حصل شيء من ذلك من العامل، ضمن لرب المال الضرر الذي لحقه جراء ذلك.
وأما إذا لم يحصل منه شيء من ذلك، فلا ضمان عليه؛ لأنه شريك، كما تقدمت الإشارة إليه، ولأن التجارة مبناها على الربح والخسارة.
والله أعلم.