الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجمهور أهل العلم على جواز استئجار دار لتكون مسجداً، وهو مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة، وذهب أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أنه لا يصح ذلك.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ويجوز استئجار دار يتخذها مسجداً يصلي فيه، وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تصح؛ لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد إجارة بحال، فلا تجوز الإجارة لذلك، ولنا أن هذه منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها، فجاز استئجار العين لها. اهـ.
والراجح قول الجمهور، ولكن هل يأخذ المكان المستأجر أحكام المسجد؟ الجواب: أحكام المسجد لا تكون إلا إذا كان المسجد وقفًا، فقد نص الفقهاء على أن من بنى مسجدًا وصلى فيه ولم يوقفه، فإنه لا يأخذ حكم المسجد حتى يوقفه.
قال زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب عند ذكره لشروط الوقف وأنه لا بد له من الصيغة: لا إن بنى ولو على هيئة المسجد وقال أذنت في الصلاة فيه فلا يصير بذلك مسجدا وإن صلى فيه ونوى جعله مسجدا ...إلخ.
وذكر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في الفرق بين المسجد والمصلى أن هذا وقف لا يمكن التصرف فيه بخلاف المصلى، وهل يمكن أن يوقف المكان المستأجر مسجدًا مدة الإجارة، فيأخذ أحكام المسجد بجعله وقفا؟ هذا ينبني على القول بصحة وقف المنفعة، وعدم اشتراط التأبيد في الوقف، وفي ذلك قولان مشهوران للعلماء، فالجمهور على عدم صحة وقف المنفعة، وأنه يشترط التأبيد في الوقف، والمالكية على جواز وقف المنفعة وعدم اشتراط التأبيد، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد سئل -رحمه الله- عمن استأجر أرضًا وبنى فيها دارًا ودكانا أو شيئًا ..... فهل يجوز للمستأجر أن يعمر ما مع ما قد عمره من الملك مسجدًا لله ويوقف الملك على المسجد؟ فأجاب: يجوز أن يقف البناء الذي بناه في الأرض المستأجرة سواء وقفه مسجدا أو غير مسجد، ولا يسقط ذلك حق أهل الأرض... انتهى مختصرًا.
والله أعلم.