الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى كما أنه أرحم الراحمين، وأنه عفو كريم، رؤوف غفور حليم، فهو سبحانه: حكم عدل، حكيم عليم، جليل عظيم، عزيز ذو انتقام ... ولا بد من ظهور آثار أسمائه وصفاته كلها على خلقه، ومن ذلك مجازاة الناس يوم القيامة، فكما يظهر فيها العفو والمغفرة والرحمة، فكذلك يظهر فيها العدل والحكمة والنقمة، كلٌّ بحسب ما يليق بحاله، وهذا من العدل الذي قامت به السموات والأرض، قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الجاثية: 21، 22].
قال السعدي: أي: أحسبوا أن يكونوا {سَوَاءً} في الدنيا والآخرة؟ ساء ما ظنوا وحسبوا، وساء ما حكموا به، فإنه حكم يخالف حكمة أحكم الحاكمين وخير العادلين، ويناقض العقول السليمة والفطر المستقيمة، ويضاد ما نزلت به الكتب وأخبرت به الرسل، بل الحكم الواقع القطعي أن المؤمنين العاملين الصالحات لهم النصر والفلاح والسعادة والثواب في العاجل والآجل، كل على قدر إحسانه، وأن المسيئين لهم الغضب والإهانة والعذاب والشقاء في الدنيا والآخرة. اهـ.
ورغم شدة العقاب، وسوء الحساب، الذي ينتظر المجرمين، فليس لأحد منهم عذر بعد قيام حجة الله تعالى عليهم، بإرسال الرسل وإنزال الكتب، والوعيد الشديد، والإنذار الأكيد، بأهوال القيامة والإخبار بصفة النار وأحوال أهلها، قال تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 13 - 15].
فليس هناك من ظلم في الآخرة، بل هو عمل الإنسان يجد جزاءه حاضرا، بعد أن قامت عليه حجة الله بإنزال الوحي بالبشارة والنذارة، وقد سبق لنا مزيد بيان في جواب هذه الشبهة ، وذلك في الفتويين: 136819، 141473.
والله أعلم.