الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول باشتراط غسل النجاسات سبعا، وإن كان هو المعتمد عند الحنابلة لكنه قول مرجوح، وقد رجح خلافه محققو المذهب، واختار ابن قدامة في المغني، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله عنه في حاشية الروض أن النجاسة تطهر بمكاثرتها بالماء. قال ابن مفلح في المبدع مبينا الأقوال في المذهب وأدلتها:
(وَفِي سَائِرِ) أَيْ: بَاقِي (النَّجَاسَاتِ) حَتَّى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ (ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ: يَجِبُ غَسْلُهَا سَبْعًا) نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: أُمِرْنَا أَنْ نَغْسِلَ الْأَنْجَاسَ سَبْعًا، فَيَنْصَرِفُ إِلَى أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَمَرَ بِهِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، فَيَلْحَقُ بِهِ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ بِمَوْرِدِ النَّصِّ، بِدَلِيلِ إِلْحَاقِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ بِهِ، وَالْعَرَقِ وَالْبَوْلِ لِلرِّيقِ... (وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثًا) مُنَقِّيَةً، اخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ الْقَائِمَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، مُعَلِّلًا بِوَهْمِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يُزِيلُ وَهْمَ النَّجَاسَةِ إِلَّا مَا يُزِيلُ يَقِينَهَا، وَلِأَنَّهُ إِذَا اكْتَفَى بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فِي الِاسْتِجْمَارِ، فَالِاجْتِزَاءُ بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَعَلَيْهَا: إِذَا غَسَلَهُ زَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ، فَالزَّائِدُ طَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ. (وَالثَّالِثَةُ تُكَاثَرُ بِالْمَاءِ) حَتَّى تَزُولَ الْعَيْنُ (مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ) اخْتَارَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " فِي مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي دَمِ الْحَيْضَةِ: «فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ» ، وَقَالَ فِي آنِيَةِ الْمَجُوسِ: «إِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ» وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ فِي جَوَابِ السَّائِلِ عَنِ التَّطْهِيرِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ حَاجَةٍ. انتهى.
وإذا كنت مقلدة فإنك تقلدين من تثقين بعلمه وورعه، ولا يلزمك الأشد من الأقوال، وانظري الفتوى رقم: 169801. فالذي نرى لك إن كنت مقلدة أنه يسعك الأخذ بقول الجمهور الذين يرون الاكتفاء بمكاثرة النجاسة بالماء لتطهيرها، وأما إذا أبيت غير هذا المذهب فلا بد من أن تغسلي الثياب المتنجسة سبع غسلات مع العصر في كل مرة، فلا يكفي غسلها في الغسالة عددا أقل من ذلك، بل لا بد من التحقق من استيعاب الغسلات السبع.
وصفة تطهير النجاسة على هذا المذهب قد بينها في الروض المربع بقوله: (ويجزئ في نجاسة غيرهما) أي غير الكلب والخنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما (سبع) غسلات بماء طهور ولو غير مباح إن أنقت، وإلا فحتى تنقي مع حت وقرص لحاجة وعصر مع إمكان كل مرة خارج الماء، فإن لم يمكن عصره فبدقه وتقليبه أو تثقيله كل غسلة حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء، ولا يضر بقاء لون أو ريح عجزا (بلا تراب). انتهى.
والله أعلم.