الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلم يرد في الكتاب ولا في السنة -فيما نعلم- الإخبار عن الله بهذا اللفظ "ساكن السماء" أو "ساكن العرش" ، وورد عن بعض التابعين أنه استعمله، ونسب الإخبار به لأحد الأنبياء؛ فقد روى أبو نعيم في الحلية، واللالكائي في السنة، عن ثَابِتٍ البناني قَالَ: كَانَ دَاوُدُ نَبِيُّ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطِيلُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلَيْكَ رَفَعْتُ رَأْسِي يَا عَامِرَ السَّمَاءِ، نَظَرَ الْعَبِيدِ إِلَى أَرْبَابِهَا، يَا سَاكِنَ السَّمَاءِ.
كما استعمله العلماء أيضا، فقد قال أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة: ومن دعاء أهل الإسلام جميعا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل بهم يقولون جميعا: يا ساكن السماء ... اهــ.
وبعض العلماء يرى عدم جواز التعبير بهذا اللفظ "ساكن العرش" لأنه غير وارد، ومثله "ساكن السماء".
قال الشيخ بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية: يا ساكن العرش: رأيت في رسالة: الصفات الإلهية بين السلف والخلف، للشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله تعالى- في معرض بحث الاستواء لله تعالى على ما يليق بجلاله، قال: (ومن دعاء أهل الإسلام جميعاً -إذا هم رغبوا إلى الله عز وجل في الأمر النازل بهم- يقولون: يا ساكن العرش) اهـ.
وهذا تعبير غير سليم؛ لأن القاعدة أن الصفات والأسماء توقيفية، وهذا اللفظ: (ساكن العرش) مما لم يرد، فلا يشرع إذاً الدعاء به، فتنبه. والله أعلم.
والشيخ -رحمه الله تعالى- أراد المعنى: علو الله سبحانه، وأنه مستوٍ على عرشه سبحانه وتعالى، وهذا حق. اهــ.
والذي يمكننا قوله هو أن باب الإخبار وإن كان أوسع من باب الأسماء والصفات، ولكن الأولى البعد عن استعمال مثل هذا الكلام، لا سيما وأنه ربما أوهم أن السماء تحيط بالله تعالى وتحويه، تعالى الله عن ذلك، كما أن السماء تسكنها الملائكة؛ كما قال بعض الشراح في شرح حديث خروج المهدي وأنه: يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ. والحديث رواه أحمد وإسناده ضعيف.
قال ملا القاري في شرح المشكاة: يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ، أي مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .. اهــ.
والله تعالى أعلم.