الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحلف بكلمة الكفر محرم، وإن قصد به الحالف الكفر كفر في الحال، وأما إن لم يقصد به الكفر فلا يكفر مطلقا ـ سواء حنث في حلفه أم لم يحنث ـ جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: معلوم أن من نطق بكلمة الكفر منجزة يكون كافرا حالا متى توفرت شرائط الردة، ومن علقها على أمر بغير قصد اليمين يكون كافرا في الحال أيضا وإن كان ما علقها عليه مستقبلا، لأن الرضى بالكفر ولو في المستقبل ارتداد عن الإسلام في الحال، وذلك كأن يقول إنسان: إذا كان الغد فهو يهودي، أو إذا شفاه الله على يد هذا النصراني فهو نصراني، وأما من علق الكفر بقصد اليمين فالأصل فيه أنه لا يكفر. وصفوة القول أن الحلف بالكفر لا يعد كفرا، إلا إذا كان قائله راضيا بالكفر، وهذا هو الأصح عند الحنفية في الغموس وغيرها، وقال المالكية: يحرم تعليق الكفر بقصد الحلف، ولا يرتد إن فعل المحلوف عليه، وليتب إلى الله مطلقا، سواء أفعله أم لم يفعله، لأنه ارتكب ذنبا، فإن قصد الإخبار عن نفسه بالكفر كان ردة، ولو كان ذلك هزلا، وقال الشافعية: يحرم تعليق الكفر الذي يقصد به اليمين عادة، ولا يكفر به إذا قصد تبعيد نفسه عن المحلوف عليه أو أطلق، فإن قصد حقيقة التعليق، أو قصد الرضى بالكفر كفر من فوره، دون توقف على حصول المعلق عليه، إذ الرضى بالكفر كفر، ثم إن كفر وجبت عليه التوبة والعودة إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين، وإن لم يكفر وجبت عليه التوبة أيضا، وندب له أن يستغفر الله عز وجل كأن يقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، وندب له أن ينطق بالشهادتين، وعند الحنابلة: يحرم الإقدام على اليمين بالكفر، سواء أكان بصورة التعليق نحو: إن فعل كذا فهو يهودي، أم بصورة القسم نحو: هو يهودي ليفعلن كذا، وإن قصد أنه يكفر عند وجود الشرط كفر منجزا .اهـ. باختصار.
وجاء في الفروع لابن مفلح: ومن حلف بكفره, كقوله هو كافر أو أكفر بالله أو برئ من الإسلام, أو النبي صلى الله عليه وسلم، أو يستحل الزنا، أو ترك الصلاة, أو لا يراه الله بموضع كذا ونحو ذلك منجزا أو معلقا... لم يكفر. اهـ.
وأما وجوب الكفارة في الحلف بكلمة الكفر: فهو محل نزاع بين العلماء، والجمهور على عدم وجوب الكفارة، قال ابن قدامة: اختلفت الرواية عن أحمد، في الحلف بالخروج من الإسلام، مثل أن يقول: هو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، إن فعل كذا، أو: هو بريء من الإسلام، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من القرآن، إن فعل، أو يقول: هو يعبد الصليب، أو يعبدك، أو يعبد غير الله تعالى، إن فعل، أو نحو هذا، فعن أحمد: عليه الكفارة إذا حنث، يروى هذا عن عطاء، وطاوس، والحسن، والشعبي، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، ويروى ذلك عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ والرواية الثانية: لا كفارة عليه، وهو قول مالك، والشافعي، والليث، وأبي ثور، وابن المنذر، لأنه لم يحلف باسم الله، ولا صفته، فلم تلزمه كفارة، كما لو قال: عصيت الله فيما أمرني، ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الرواية الأولى على الندب، دون الإيجاب، لأنه قال، في رواية حنبل: إذا قال: أكفر بالله، أو أشرك بالله، فأحب إلي أن يكفر كفارة يمين إذا حنث، ووجه الرواية الأولى، ما روي عن الزهري، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يقول: هو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو بريء من الإسلام، في اليمين يحلف بها، فيحنث في هذه الأشياء، فقال: عليه كفارة يمين ـ أخرجه أبو بكر، ولأن البراءة من هذه الأشياء توجب الكفر بالله، فكان الحلف يمينا، كالحلف بالله تعالى، والرواية الثانية أصح ـ إن شاء الله تعالى ـ فإن الوجوب من الشارع، ولم يرد في هذه اليمين نص، ولا هي في قياس المنصوص، فإن الكفارة إنما وجبت في الحلف باسم الله تعظيما لاسمه، وإظهارا لشرفه وعظمته، ولا تتحقق التسوية. اهـ.
فالحاصل: أنه يجب على من صدر منه ما ذكر في السؤال التوبة إلى الله مما تفوه به، ولا يجب عليه اجتناب ما حلف على تركه، ولا تلزمه كفارة لذلك عند أكثر العلماء، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 289420.
والله أعلم.