الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل من المذكور في آخر الفتوى المشار إليها برقم: 234166، وما نقله السائل من شرح الفقه الأكبر، كلاهما يدور في فلك واحد، وهو أن المعاصي ـ كبارها وصغارها ـ ليست كفرا إلا إن قام بصاحبها ما يكفر بسببه، كاستحلالها، أو الاستهانة بشأنها، والاستخفاف بمن شرعها، وكلام الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في الفتوى المشار إليها كأنه جعل الافتخار والفرح بالمعصية دليلا على الاستحلال، كما سبق بيانه هناك.
وقال الكشميري في إكفار الملحدين في ضروريات الدين: مناط التكفير هو التكذيب أو الاستخفاف. اهـ.
وقال الشيخ الغنيمان في شرح فتح المجيد: القنوط من رحمة الله، واليأس من روحه من الكبائر العظام التي تنقص التوحيد وتذهب بكماله، فلابد أن يكون الإنسان خائفاً من ذنوبه راجياً لرحمة الله، وفضل الله واسع، وكرمه لا نهاية له، ولكنه لا يكون للمفرط العاصي الذي لا يبالي بأمر الله، وإنما يكون لمن فرط ووقع في المعاصي من غير أن يكون مستخفاً بأمر الله جل وعلا ولا مستهترًا به، أما إذا جاء الاستخفاف والاستهتار وعدم المبالاة، فهذا يخشى أن ينزع منه الإيمان نهائيًا ويصبح محبًا للمعاصي وأهل المعاصي، ثم تتراكم عليه المعاصي حتى يصبح ممن قال الله جل وعلا فيهم: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {المطففين:14}. اهـ.
وهنا ننبه على أن هذا الأمر الذي يقوم بالقلب لا سبيل إلى الجزم به، فقد يكون كفرا، وقد يكون دون ذلك، والله أعلم بما في القلوب، قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه وغيره. اهـ.
والله أعلم.