الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المحاذير الشرعية الموجودة في الأفلام والمسلسلات، لا تقتصر على ظهور العورات التي يحرم النظر إليها فحسب، بل فيها محاذير أخرى، كالدعوة إلى المنكرات، والكذب، والأفكار المنحرفة، وتزيين الفواحش، والعلاقات المحرمة، وما كان كذلك، لا تجوز متابعته بكل حال، وراجع في بيان هذا الفتوى رقم: 1791، والفتوى رقم: 190043.
وسبق لنا بيان حكم نظر المرأة إلى الممثلات في الفتوى رقم: 105942.
وأما هجرك أختك ومقاطعتها من أجل مشاهدتها للمسلسلات: فلا يشرع لك، إلا إن كان هجرك لها تترتب عليه مصلحة راجحة، بحيث يفضي هجرك لها إلى توبتها، وإقلاعها عن مشاهدة المسلسلات المحرمة، وإلا فلا يشرع لك هجرها، قال ابن تيمية: وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم، وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله.
فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته، كان مشروعًا.
وإن كان لا المهجور، ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قومًا، ويهجر آخرين. كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرًا من أكثر المؤلفة قلوبهم؛ لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عزّ الدين، وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح.
وجواب الأئمة -كأحمد، وغيره- في هذا الباب مبني على هذا الأصل؛ ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع، كما كثر القدر في البصرة، والتنجيم بخراسان، والتشيع بالكوفة، وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين، وغيرهم، وإذا عرف مقصود الشريعة، سلك في حصوله أوصل الطرق إليه. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 14139.
وراجع للفائدة حول آداب النصيحة الفتوى رقم: 13288.
والله أعلم.