الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي أن يشغل هذا الأمر تفكيرك، فإن الله تعالى أرحم الراحمين، وأعدل العادلين، وقضاؤه كله خير ورحمة، وحكمة وعدل ومصلحة، والله جل وعلا لا يسأل عما يفعل لكمال عدله وحكمته، فالتسليم لما أخبر الله به، ووردت به النصوص هو الواجب على كل مسلم، ثم إن هذا ليس فيه ظلم للمجتهدين الذين جاهدوا أنفسهم وشيطانهم كما تصورت، فإن هؤلاء العصاة وإن دخلوا الجنة، فلا يلزم أن تكون مرتبتهم فيها كمرتبة أولئك الذين سبقوهم إليها بما عملوه من الطاعات، وأهل الجنة درجات كما قال تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا {الإسراء:21}.
فليست رتبة الأنبياء في الجنة كرتبة آحاد الناس، وهكذا فإن من أطاع الله وأمعن في التقرب إليه حتى وصل إلى مرتبة المقربين، فهو أفضل، وأعلى طبقة ممن دونه من الأبرار، فضلا عن الظالمين لأنفسهم الذين يؤول أمرهم إلى الجنة إذا دخلوا النار، وهذا بين واضح والحمد لله.
ثم إنك قد علمت أن أصحاب المعاصي الذين فاقت حسناتهم سيئاتهم من الموحدين، يعذبون في النار بقدر ذنوبهم، فإذا تطهروا منها خرجوا من النار، والنار حرها شديد وقعرها بعيد، وعذابها أليم، فغمسة واحدة فيها تذهب بكل نعيم؛ ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا بن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب.
فعليك بالتسليم لحكم الله، والفرح بما منَّ الله به على هذه الأمة من جعله كل أهل التوحيد في الجنة، وإن أصابهم قبل ذلك ما أصابهم.
والله أعلم.