الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المرأة طاعة زوجها إذا دعاها للفراش، ولا يجوز لها الامتناع إلا لعذر، كمرض، أو حيض، أو صوم واجب، أو ضرر يلحقها من الجماع، فإن امتنعت من طاعته لعذر، لم يكن له ضربها.
أمّا إذا امتنعت من طاعته لغير عذر، فهي ناشز، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 138832.
وما دامت ناشزًا فله ضربها ضربًا غير مبرح، إذا لم يفد معها الوعظ، أو الهجر، قال تعالى: وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء: 34}.
وفي صحيح مسلم من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ.
قال الدردير المالكي -رحمه الله-: والوعظ التذكير بما يلين القلب لقبول الطاعة، واجتناب المنكر، ثم إذا لم يفد الوعظ هجرها، أي تجنبها في المضجع، فلا ينام معها في فرش، لعلها أن ترجع عما هي عليه من المخالفة، ثم إذا لم يفد الهجر ضربها، أي جاز له ضربها ضربًا غير مبرح، وهو الذي لا يكسر عظمًا، ولا يشين جارحة، ولا يجوز الضرب المبرح، ولو علم أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع فلها التطليق عليه، والقصاص، ولا ينتقل لحالة حتى يظن أن التي قبلها لا تفيد.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنّه لا يليق بالعاقل أن يضرب امرأته ضربًا مبرحًا، ثم يجامعها في يومه، فعن عبد الله بن زمعة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه. رواه البخاري.
قال ابن حجر: وفي سياقه استبعاد وقوع الأمرين من العاقل: أن يبالغ في ضرب امرأته، ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته، والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس، والرغبة في العشرة، والمجلود غالبًا ينفر ممن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك، وأنه إن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل منه النفور التام.
ومع جواز الضرب في بعض الأحوال فإنّ الأفضل تركه، فقد جاء في معرفة السنن والآثار للبيهقي: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ عَلَى اخْتِيَارِ النَّهْيِ، وَأَذِنَ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا لَهُمُ الضَّرْبُ فِي الْخَوْفِ، وَاخْتَارَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضْرِبُوا لِقَوْلِهِ: لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ.
والله أعلم.