الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن السنة التي يراد بها ما سوى الفرض، لا إثم ولا عقاب في تركها أحيانا، إلا أنه لا ينبغي المواظبة على تركها، بل ينبغي للمسلم الحرص على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال. والمحافظة على السنن تحمل على المحافظة على الفرائض، ففعل السنن حجاب بين العبد وبين ترك الواجب، كما أن ترك المكروه والمشبهات، حجاب بين العبد وبين فعل ما استبان تحريمه، وترك السنن تهاونا بها، يدل على زهد المرء في الخير، وعدم رغبته في الثواب، بل إن بعضهم ذكر أنه يأثم من داوم على ترك السنن.
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في شرح البخاري: وقال القاضي أبو يعلى: من داوم على ترك السنن الرواتب أثم، وهو قول إسحاق بن راهويه.
قال في كتاب الجامع: لا يعذب أحد على ترك شيء من النوافل، وقد سن رسول الله سننا غير الفرائض التي فرضها الله، فلا يجوز لمسلم أن يتهاون بالسنن التي سنها رسول الله مثل: الفطر، والأضحى، والوتر، والأضحية وما أشبه ذلك؛ فإن تركها تهاونا بها، فهو معذب إلا أن يرحمه الله، وإني لأخشى في ركعتي الفجر والمغرب؛ لما وصفها الله في كتابه، وحرض عليها قال: فسبحه وأدبار السجود، وقال: فسبحه وإدبار النجوم، وقال سعيد بن جبير: لو تركت الركعتين بعد المغرب، لخشيت أن لا يغفر لي. انتهى.
وأما الأوامر والنواهي النبوية، فتجب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيها بامتثال أمره، واجتناب ما نهى عنه.
ومن تعمد مخالفته، متوعد بالعقوبة؛ فإن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، طاعة لله تعالى، قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ {النساء:80}. وقال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63}، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. رواه البخاري ومسلم.
وبهذا يعلم أن سنته صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى سنة واجبة، لا يجوز لمسلم مخالفتها، وإن خالفها أثم، وهي: ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقم دليل يصرف ذلك الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وإلى سنة مستحبة وهي: ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، على سبيل الاستحباب؛ لوجود الصارف له، أو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، مجرد فعل، ولم يؤكده بأمر، ولا هو مبين لواجب، وذلك مثل سنة قيام الليل، وسنة الضحى، وما شابه ذلك.
وإعفاء اللحية، وترك الإسبال يعتبر مما تجب فيه الطاعة، ويستحق مخالف الشرع فيه العقوبة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية، فقال -كما في صحيح مسلم-: أرخوا اللحى. وقال صلى الله عليه وسلم: أعفوا اللحى. وقال عليه والصلاة والسلام: أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه ما بينه وبين الكعبين، وما أسفل من الكعبين في النار. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما أسفل من الكعبين من الإزار، ففي النار. رواه البخاري عن أبي هريرة.
قال الخطابي في معنى الحديث: يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار، فكنى بالثوب عن بدن لابسه، ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة، وحاصله أنه من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه. انتهى.
وراجع في تعريف السنة، وبيان الفرق بين من ترك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ترك بعض السنن الفعلية، وفي أهمية الحرص على السنة الفتاوى التالية أرقامها: 37431، 6417، 52104، 51686، 25570، 8407، 37431، 45633، 30341، 56950، 43206، 66475، 26320.2135
والله أعلم.