الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا السؤال مع أسئلة السائل السابقة، توحي بأنه يعاني من شيء من الوسوسة في مسألة الردة والكفر، تحمله على التفتيش في الماضي، لعله يجد موجبا للكفر أو الردة! ولذلك فإننا نوصي السائل بالإعراض عن هذه الأفكار، والانشغال بإصلاح الحاضر، والاستقامة على طاعة الله بعد تحقيق التوبة النصوح عن كل ما بدر منه في الماضي بصفة عامة، دون تفتيش في تفاصيله.
وإن كان من شيء ينبغي التعليق عليه مما ذكر في السؤال، فهو التذكير بأن شأن القيامة وأهوالها شيء عظيم فظيع، لا يلتفت فيه المرء إلى شيء من متاع الدنيا، ولا يلوي على أحد يعرفه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج: 1، 2] وقال سبحانه: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 33 - 37]، وقال عز وجل: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ. وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ. وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ [المعارج: 11 - 14]. وعن عائشة -رضي الله عنها -قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس حفاة، عراة، غرلا. قالت عائشة: فقلت: الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك. وفي رواية: من أن ينظر بعضهم إلى بعض. رواه البخاري ومسلم.
والاستخفاف والاستهزاء بأمر كهذا ضلال مبين، وخطر عظيم، لا يجتمع مع الإيمان بالله واليوم الآخر، وقد قدمنا في الفتوى رقم: 63649 تحريم النكت التي تتضمن الاستهزاء بالنار. ومع ذلك فالحكم على شخص معين بالردة أو الكفر، ليس بالأمر الهين، فهناك موانع لا بد من انتفائها، وشروط لا بد من وجودها، وهذا إنما يقوم به القضاة، والراسخون من أهل العلم، العارفون بواقع حال هذا الشخص.
والله أعلم.