الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تقوم العلاقة بين الزوجين على التراحم، والتفاهم والتواد، قال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً {الروم:21}
قال ابن كثير -رحمه الله-: فلا ألفة بين روحين، أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.. تفسير ابن كثير.
وقد اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة لزوجها، والمفتى به عندنا وجوب الخدمة بالمعروف، فليس لها قدر محدود، أو صفة معينة، ولكنها تختلف باختلاف الأحوال والأعراف.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: .... ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: تَجِبُ الْخِدْمَةُ الْيَسِيرَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَجِبُ الْخِدْمَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَخْدُمَهُ الْخِدْمَةَ الْمَعْرُوفَةَ مِنْ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ، وَيَتَنَوَّعُ ذَلِكَ بِتَنَوُّعِ الْأَحْوَالِ: فَخِدْمَةُ الْبَدْوِيَّةِ، لَيْسَتْ كَخِدْمَةِ الْقَرَوِيَّةِ، وَخِدْمَةُ الْقَوِيَّةِ، لَيْسَتْ كَخِدْمَةِ الضَّعِيفَةِ. الفتاوى الكبرى.
فالواجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما صاحبه بالمعروف، فعلى الزوجة طاعة زوجها في المعروف، وعلى الزوج أن يحسن إليها قولاً وفعلاً. قال ابن كثير -رحمه الله-: وقوله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ طَيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وَحَسِّنُوا أَفْعَالَكُمْ، وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ. تفسير ابن كثير. وإذا تلفظت الزوجة بشيء يؤذي زوجها، لكنها محقة فيه، فلا حرج عليها.
جاء في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين: أي لا يقع منها معه ما من شأنه أن يتأذى به، من غير مجوّز لذلك شرعاً. اهـ.
ومن قام بما يقدر عليه، فلا لوم عليه، لكن ينبغي على الزوجين أن يجتهدا في الإحسان قدر الاستطاعة، مع احتساب الأجر من الله عز وجل.
وإذا تزوج الرجل امرأة يرى فيها شيئاً يكرهه، ولكنها أمثل من غيرها، فلا حرج عليه في ذلك، ولا يكون ظالماً لها بمجرد كراهة شيء من خلقها، لكن لا يجوز له أن يظلمها، أو يسيء عشرتها، وقد أرشد الشرع الأزواج إلى الصبر على المرأة، والتجاوز عن بعض زلاتها، والموازنة بين الجوانب المختلفة في صفاتها وأخلاقها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ. صحيح مسلم.
قال النووي رحمه الله: أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا، لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ، وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ، لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ، أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ، أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.
والراجح عندنا أن الزوج يأذن لزوجته في زيارة أهلها ما لم يخش إفسادهم لها، وإذا منعها من زيارتهم لمجرد أنه لا يحبهم، فهذا ظلم غير جائز، وانظري الفتوى رقم: 110919
وإن كان الزوج مفرطاً في حقّ زوجته، أو مضراً بها، فلها رفع الأمر للقاضي ليجبره على أداء الحق، وكف الضرر، أو يطلقها عليه إن ثبت الإضرار وأرادت الزوجة الطلاق، وراجعي الفتوى رقم: 135685
أمّا إذا لم يثبت إضرار الزوج بزوجته، فلا حق لها في التطليق، لكن إن كانت مبغضة له، وتخشى ألا تقوم بحقّه، فلها أن تختلع منه بإسقاط مهرها، أو بعضه، لزوجها، حسب ما يتفقان عليه، وانظري الفتوى رقم: 8649.
والله أعلم.