الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فليعلم أولا أن الزنا كبيرة من كبائر المعاصي، ومن أعظم الفواحش عند الله جل وعلا، وقد حذر الله منه في محكم كتابه فقال: ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً {الإسراء: 32}.
ويجب على من ابتلي به أن يتوب إلى الله جل وعلا توبة نصوحًا، وأن لا يطلع أحداً على ذلك، وليستتر بستر الله جل وعلا حتى ولو كان في بلد تطبق فيه الحدود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي، وحسنه العراقي.
هذا أولا.
وثانيا: من ابتليت بتلك الفاحشة، فإن عدتها منها كعدة المطلقة على الصحيح من أقوال الفقهاء، تنقضي بثلاث حيضات إن كانت المرأة ممن يحضن، فإذا انتهت عدتها وبان أنها غير حامل، فلا يلزمها شرعا أن تفحص عند الطبيبة لتتأكد من خلو الرحم من الحمل، بل لا يجوز لها ذلك إذا استلزم الاطلاع على العورة، إذ لا حاجة إليه، ويجوز لها أن تتزوج مباشرة بعد الاستبراء بالحيضات الثلاث، لكن هل يشترط لجواز نكاحها أن تتوب من زناها أم لا؟ اختلف في ذلك أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الرَّجُلِ الْعَفِيفِ بِالْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ أَوْ الْمَرْأَةِ الْعَفِيفَةِ بِالرَّجُلِ الزَّانِي، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ زِنَا الرَّجُلِ لَا يُحَرِّمُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْعَفِيفَةِ، وَأَنَّ زِنَا الْمَرْأَةِ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَى الرَّجُلِ الْعَفِيفِ, وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ إذَا زَنَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ يَعْلَمْ ذَلِكَ نِكَاحُهَا إلَّا بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ تَتُوبَ مِنْ الزِّنَا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المصرية: نِكَاحُ الزَّانِيَةِ حَرَامٌ حَتَّى تَتُوبَ، سَوَاءٌ كَانَ زَنَى بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى جَوَازِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ.
وانظري للفائدة الفتوى رقم: 168227، عن مذاهب الفقهاء في عدة الزانية.
والله أعلم.