الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق في الأصل مبغوض في الشرع، لكن من كانت عنده امرأة سيئة الخلق، جاز له طلاقها بغير كراهة، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ عند كلامه على أقسام الطلاق: والثالث: مباح، وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، والتضرر بها من غير حصول الغرض بها.....
والحديث المذكور لا يدل على وجوب فراق المرأة سيئة الخلق، وإنما يدل على جوازه ونفي كراهته، قال الجصاص رحمه الله: أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ مَعَهُ مَنْ لَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا؟ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ لَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَإِنَّمَا هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ تَارِكٌ لِلِاحْتِيَاطِ وَالتَّوَصُّلِ إلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِيهِ الْمَخْرَجَ وَالْخَلَاصَ.
وقال المناوي رحمه الله: وفيه أنه تعالى لا يبغض طلاق سيئة العِشْرة.
وقد أرشد الشرع الأزواج إلى الصبر على المرأة والتجاوز عن بعض زلاتها والموازنة بين الجوانب المختلفة في صفاتها وأخلاقها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ. صحيح مسلم.
قال النووي رحمه الله: أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا، لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ، لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.
وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله: والصبر على لسان النساء مما يُمتحن به الأولياء.
فالذي ننصحك به أن تسعى في استصلاح زوجتك بالوعظ، ثم الهجر في المضطجع، ثمّ الضرب غير المبرح، فإن لم ترجع عن سوء خلقها، فلك أن تطلقها ولك أن تمسكها، والأفضل والأولى من الأمرين ما كان أصلح لدينك ودنياك وأقل مفسدة، وللفائدة راجع الفتويين رقم: 54131، ورقم: 18106.
والله أعلم.