الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة في الحقيقة من مسائل القضاء، فقد كان الواجب على هذه المرأة أن ترفع أمرها للقاضي لإلزام زوجها بالنفقة، أو لطلب الطلاق منه للضرر، وأما أن تسافر بابنتها إلى أهلها في بلد بعيد، دون إذن أبيها، فليس لها ذلك، فإن الزوجية مادامت قائمة، فالحضانة حق للأبوين معا، قال العدوي المالكي في حاشيته على الخرشي: ومحل كون الحضانة للأم إذا طلقت أو مات زوجها، وأما وهي في العصمة فالحضانة حق لهما. اهـ.
حتى وإن طلقت، فليس لها أن تسافر بابنتها إلا إذا كان نكاحها قد كان بهذا البلد وهو موطنها، جاء في درر الحكام لملا خسرو: لا تسافر مطلقة بولدها ـ أي بدون إذن أبيه ـ لما فيه من الإضرار بالولد، إلا إلى وطنها الذي نكحها فيه، حتى لو وقع التزوج في بلد، وليس بوطن لها، ليس لها أن تنقله إليه، ولا إلى وطنها، لعدم الأمرين في كل منهما... وخص هذا السفر بالأم، وليس لغيرها أن ينقله بلا إذن الأب حتى الجدة. اهـ.
وهذا هو مذهب الحنفية، وأما عند جمهور العلماء: فالأب هو الأحق بالحضانة إذا اختلفت الدار بين الأبوين، قال ابن قدامة في المغني: وبما ذكرناه من تقديم الأب عند افتراق الدار بهما، قال شريح، ومالك، والشافعي. اهـ.
والمقصود أن هذه الزوجة قد أخطأت في أخذ ابنتها في هذا السفر البعيد دون إذن أبيها، وأما سفرها هي في ذاتها، فإن كانت إنما فعلت ذلك لامتناع زوجها عن النفقة عليها، فنرجو أن لا يكون عليها في ذلك من بأس، لأنه لا يملك عندئذ حق حبسها، وقد ذكر الحنابلة هنا ضابطا فقهيا عاما، فقال ابن قدامة: وكل موضع قلنا: لها الامتناع من تسليم نفسها، فلها السفر بغير إذن الزوج، لأنه لم يثبت للزوج عليها حق الحبس فصارت كمن لا زوج لها... اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 73341.
والذي نراه أن تسعى هذه المرأة للصلح مع زوجها والرجوع إليه، فإن كانت العشرة بينهما قد استحالت ولم يبق للصلح موضعا، وكانت تخشى ضررا معتبرا عليها أو على ابنتها إذا رجعت إلى زوجها: فإنها ترفع أمرها إلى القضاء الشرعي في بلدها أو في بلد الزوج، سواء في ما يخص طلب الطلاق، أو ما يخص حضانة ابنتها.
والله أعلم.