الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همك وينفس كربك وييسر أمرك ويصلح ما بينك وبين زوجك، ونوصيك بالتوجه وحسن الالتجاء إليه سبحانه، فهو مجيب دعوة المضطر وكاشف الضر، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.
ومن الأدعية التي تناسب المقام الذي أنت فيه ما رواه أحمد وأبو داود عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.
وإضافة إلى الدعاء استعيني بالصبر، فهو مفتاح للخير، وله كثير من العواقب الحميدة في الدنيا والآخرة، وراجعي في فضله الفتوى رقم: 18103.
ونوصي أيضا بالحرص على الحوار والتفاهم، فإن هذا أدعى للوفاق وأبعد عن أسباب الخلاف، ويمكنك أن تستعيني ببعض من هم مقربون إلى زوجك ليحاولوا إقناعه بأن يأذن لك في الدراسة والعمل بالقدر الذي لا يتنافى مع أحكام الشرع، ولا يترتب عليه التفريط فيما يجب عليك تجاه زوجك وأولادك، ولمعرفة حقوق كل من الزوجين على الآخر راجعي الفتوى رقم: 27662.
فإن اقتنع زوجك فالحمد لله، وإلا فما عليك إلا الصبر، وإن فاتك ما تحبين من تحقيق رغباتك في التعليم والعمل، فلن يفوتك ـ إن شاء الله ـ ما هو أعظم من ذلك من رضا الله عز وجل وثوابه، ورضوانه والجنة، روى أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت.
وأخرج الإمام أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان عن حصين بن محصن الأنصاري: عن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة لها، فلما فرغت من حاجتها، قال لها: أذات زوج أنت؟ قالت نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت ما آلو إلا ما عجزت عنه، قال: انظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك.
وأخرج الحاكم في مستدركه من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ـ ووافقه الذهبي.
وقد أحسنت حين تبت إلى الله تعالى مما أقدمت عليه من تواصل مع ذلك الرجل على وجه لا يشرع، ولا ينبغي لزوجك أن يعاتبك على ذلك ما دمت قد تبت، ولا يجوز له أن يتهمك بفعل الفاحشة بلا بينة، أو أن يجعل تلك الحادثة مثارا لاستفزازك أو الضغط عليك، وننبه بهذه المناسبة إلى أن هذا مما يستبين به خطورة الجلسات العائلية إذا لم تنضبط بالضوابط الشرعية، وسبق الكلام عنها في الفتوى رقم: 98295.
وقد ذكرت أنك تفكرين في وضع حد لحياتك، ولعلك تعنين الانتحار وقتل النفس، فإذا كان الأمر كذلك، فالعاقل لا يفكر في مثل هذا فضلا عن أن يقدم عليه، فذلك يعني الانتقال من شقاء زائل إلى شقاء أعظم، فقد ورد في قتل النفس وعيد شديد، وهو مضمن في الفتوى رقم: 10397.
وأنت في غنى عن هذا كله، فيمكنك أن تطلبي من زوجك الطلاق أو أن تخالعيه، إن استحالت العشرة وضاق بك الأمر ولم يصلح الحال، وإذا ترجحت مصلحة الفراق كان المصير إليه أولى، قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح، لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.
وإن قدر أن أقدم زوجك على ما هددك به من فضحك يمكنك استخدام التورية، فتنفي أصلا أنك لم يكن بك تواصل مع ذلك الرجل تعنين بعد التوبة، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، وإن اتهمك بفعل الفاحشة، فاقدمي على تبرئة نفسك ولو بالأيمان المغلظة وأنت صادقة فيها.
والله أعلم.