الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فحديث: "إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ" حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم.
وأما الإشكال الذي ذكره السائل من أن هذا يعارض حديث: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ" فجوابه من جهتين:
أولهما: أنه لو فُرِضَ وجود تعارض فإن التسليم على المأمومين يكون مستثنى من الكلام الذي لا يصلح في الصلاة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بأن كلام الناس لا يصلح، وأمرنا أن نسلم على بعضنا في نهاية الصلاة، فيكون السلام على بعضنا ليس مما عناه النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنه لا يصلح في الصلاة.
ثانيًا: أن ذلك التسليم وإن كان فيه سلام على الحاضرين فهو ليس متمحضًا لذلك، بل هو في الأصل للخروج من الصلاة، فلم يضره أن يضم إليه نية السلام على المصلين؛ جاء في حاشية قليوبي وعميرة على بعض كتب الشافعية: وضع السَّلَام مِنْ الصَّلَاةِ لِلتَّحَلُّلِ مِنْهَا، وَلَوْ مَحَضَهُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِمْ أَوْ لِإِعْلَامِهِمْ بِفَرَاغِ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ... اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: الأصل في ذلك أنه شرع لختم الصلاة والخروج منها، كما في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم». خرجه أهل السنن، ويقصد مع ذلك السلام على إخوانه المصلين عن يمينه وشماله؛ لأنه قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على ذلك ... اهـ.
وقال الإمام النووي في المجموع: وَيَنْوِي الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْحَفَظَةِ، وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ، وَعَلَى الْحَفَظَةِ. وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ، وَعَلَى الْحَفَظَةِ، وَعَلَى المأمومين من ناحيته في صفه وورائه وَقُدَّامِهِ، وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ، وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قُدَّامَهُ نَوَاهُ فِي أَيِّ التَّسْلِيمَتَيْنِ شَاءَ، وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالسَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ، وَبِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ اهـ.
ويرى بعض الفقهاء أن المقصود من قوله "يسلم على أخيه" أي: كسلامه على أخيه؛ قال ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: فِي الحَدِيث الْخَامِس: "ثمَّ يسلم على أَخِيه من على يَمِينه وشماله "عندنَا أَنه يَنْوِي بِالسَّلَامِ الْخُرُوج من الصَّلَاة، فَيحمل هَذَا الْكَلَام على معنى: ثمَّ يسلم كَمَا يسلم على أَخِيه ... اهـ.
وأما قولك: "أفلا يتعين رد المأمومين السلام على بعضهم البعض؟" فجوابه ما قاله الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- من أن سلام كل واحد منهم على الآخر الذي سلم عليه قام مقام الرد؛ جاء في الشرح الممتع: إذا سَلَّمَ الإنسانُ مع الجماعة، هل يجب على الجماعة أن يردُّوا عليه؟ الجواب: لا ... لما كان كُلُّ واحد يُسلِّم على الثاني اكتُفي بهذا عن الرَّدِّ. اهـ. مختصرًا.
والله تعالى أعلم.