الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن المراد بالنهي عن اقتراب النساء والأمر باعتزالهنَّ أثناء فترة الحيض هو ترك مجامعتهنَّ. قال القرطبي ما معناه أن القول بوجوب اعتزال الرجل فراش زوجته إذا حاضت قول شاذ خارج عن قول العلماء. قال: فإن كان عموم الآية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلالفه. وقد اختلف أهل العلم في ما يجوز للرجل من الاستمتاع بزوجته الحائض بعد اتفاقهم على منع الوطء في القبل، فمنهم من منع الاستمتاع بما بين السرة والركبة بدون حائل، ومنهم من منعه ولو مع حائل، ومنهم من أجاز لمسه ومباشرته بدون وطء، ومنهم من خص المنع بالوطء في الفرج، كما هو مذهب الإمام أحمد ، وهو مروي عن عكرمة وعطاء والشعبي والثوري وإسحاق ، واستدلوا بمنطوق قوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ[البقرة:222]. قالوا فالمحيض هنا يطلق على مكان الحيض، لسبب نزول الآية، وهو أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها في زمن الحيض. فسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أصحابُه عن ذلك، فنزلت الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح رواه مسلم ، وعليه فإن من حمل لفظ المحيض على الزمن وافق في ذلك اليهود الذين أمرنا بمخالفتهم، فيتعين حمله على مكان الحيض وهو القُبُل. لذلك فإنا نرى أن هذا القول هو الراجح، وأنَّ أقوال الآخرين أحوط سدًّا للذريعة. قال القرطبي بعد كلامه على هذا الموضوع: قال العلماء: مباشرة الحائض وهي متزرة على الاحتياط والقطع للذريعة، ولأنه لو أباح فخذيها كان ذلك منه ذريعة إلى موضع الدم المحرم بإجماع، فأمر بذلك احتياطا، والمحرم نفسه موضع الدم. والله أعلم.