الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أنه يكفر حالًا من قصد الكفر بقوله: "أنا كافر إن فعلت كذا" ففي المدونة: أنه سئل عبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن قال الرجل: أنا كافر بالله إن فعلت كذا وكذا، أيكون هذا يمينًا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يكون هذا يمينًا، ولا يكون كافرًا حتى يكون قلبه مضمرًا على الكفر، وبئس ما صنع. اهـ.
وقال ابن المنذر: اختلف فيمن قال: أكفر باللّه، ونحوه إن فعلت، ثم فعل، فقال ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وقتادة، وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفارة عليه، ولا يكون كافرًا، إلا إن أضمر ذلك بقلبه، وقال الأوزاعي، والثوري، والحنفية، وأحمد، وإسحاق: هو يمين، وعليه كفارة، قال ابن المنذر: والأول أصح؛ لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا اللّه، ولم يذكر كفارة، زاد غيره، وكذا قال: من حلف بملة سوى الإسلام، فهو كما قال، فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه.
وقال الشيخ/ زكريا الأنصاري في شرح منهج الطلاب: إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نحوه؛ كأنا بريء من الإسلام، أو من الله، أو من رسوله، فليس بيمين، ولا يكفر به إن قصد تبعيد نفسه عن الفعل، أو أطلق، كما اقتضاه كلام الأذكار، وليقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويستغفر الله، وإن قصد الرضا بذلك إن فعله، فهو كافر في الحال. اهـ.
وقال الهيتمي في تحفة المحتاج: ولا يكفر به إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف عليه، أو أطلق، ويجب عليه إن اعتقد ذلك أن ينطق بالشهادتين، فإن لم يعتقده كفاه الاستغفار، واستحب له الإتيان بالشهادتين، فإن علق، أو أراد الرضا بذلك إذا فعل كفر حالًا. انتهى.
وأما إن ندم على ذلك، وتاب: فإنه يرجى له قبول التوبة إن توفرت شروطها؛ فقد قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ {الأنفال:38}.
فإن فعل المحلوف عليه بعد التوبة، فلا يقع عليه الكفر بعد ذلك، ولا إثم عليه إن كان المفعول جائزًا، وأما إن كان الفعل محرمًا فإنه يأثم بفعله، ولا يكفر.
وأما عن القسم بالله، فتلزم فيه كفارة يمين، سواء حكم بكفر هذا الحالف أم لا، كما هو مذهب الشافعية، والحنابلة، كما سبق في الفتويين التالية أرقامهما: 135409، 130492.
والله أعلم.