الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فسب الدهر محرم، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 50029، وتوابعها، وفيها أن سب الدهر يكون خروجًا من الملة إن اعتقد أن الدهر فاعل مع الله؛ لأنه شرك في الربوبية باعتقاد مدبر مع الله؛ قال الشيخ الفوزان في إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد: ومسبّة الدهر على نوعين: النوع الأوّل: ما يكون كفراً وشركاً أكبر، وذلك إذا اعتقد أنّ الدهر هو الفاعل، وهو الذي أحدث المصيبة، فذمّه من أجل ذلك، فهذا شركٌ أكبر؛ لأنّه أثبت شريكاً لله تعالى.
النّوع الثاني: أن يعتقد أنّ الفاعل هو الله، ولكنّه ينسِب الأذى إلى الدهر، أو ينسب الذمّ إلى الدهر من باب التساهُل في اللّفظ: فهذا أيضًا محرّم، ويُعتبر من الشّرك الأصغر، حتى ولو لم يقصد المعنى، وإنما جرى على لسانه، فيُعتبر من الشرك في الألفاظ. انتهى.
والنوع الأول الذي هو كفر أكبر راجع إلى اعتقاد القلب فاعلًا مع الله، وليس مجرد سب الدهر، وهذه الحالة التي يكون فيها السب مخرجًا من الملة.
وأما وصف الساعات بالمملة، والطويلة، فليس من سب الدهر، وإنما هو من وصفه، والإخبار عنه، وقد سبق لنا بيان الفرق بين سب الدهر وبين وصفه والإخبار عنه، وذلك في الفتويين التالية أقامهما: 131297، 172697.
ومع ذلك، فالأولى بالمسلم حبس لسانه عن ذلك، فلا فائدة فيه؛ قال الذهبي في السير: قال بشر الحافي: قال مرة رجل للمعافي: ما أشد البرد اليوم، فالتفت إليه المعافى، وقال: أستدفأت الآن؟ لو سكت، لكان خيرًا لك.
مع أن قول مثل هذا جائز، لكنهم كانوا يكرهون فضول الكلام لما قد يؤدي إلى المحرم؛ قال ابن القيم في بدائع الفوائد: وأما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبوابًا من الشر، كلها مداخل للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها... وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم. صحيح لغيره، وفي الترمذي أن رجلًا من الأنصار توفي، فقال بعض الصحابة: طوبى له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم؛ فما يدريك فلعله تكلم بما لا يعنيه، أو بخل بما لا ينقصه، وأكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام، والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان. انتهى.
وأما عبارة: لماذا هكذا يا الله، فهي تسخط، واعتراض على القدر، وهو محرم، والواجب التوبة منه، وانظر الفتوى رقم: 234871، وتوابعها.
وطالما لم تقصد بها اللوم، أو الاعتراض على الله، فلا تكون كفرًا، وراجع أحوال التسخط على القدر في الفتوى رقم: 133564.
ونذكرك بأن الأصل الإسلام، ولا ينتقل عنه العبد إلا بيقين، ولا دليل على التكفير بشيء مما ذكرت، ولا على انشراح صدرك بالكفر؛ قال تعالى: وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {النحل:106-107}، وراجع الفتويين التالية أرقامهما: 154823، 226693، بخصوص الألفاظ المحتملة للكفر.
ويظهر من سؤالك المذكور، وغيره أنك مصاب بنوع وسوسة في مسائل الردة، فاصرف نفسك عن ذلك، ومن رحمة الله أنه لا يؤاخذ بالوسوسة، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 170095، وتوابعها.
والله أعلم.