الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فأما عن وقوع الطلاق من عدمه، فإن طلاق الفار يقع باتفاق الفقهاء، وإنما اختلفوا في ميراثها منه في بعض الصور، كما اختلفوا في عدتها منه. وقد جاء ملخص أقوالهم، فيما ذكرته، في الموسوعة الفقهية، حيث جاء فيها: طَلاَقُ الْفَارِّ: هُوَ تَطْلِيقُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بَائِنًا، فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؛ لِحِرْمَانِهَا مِنَ الْمِيرَاثِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فِرَارًا مِنْ إِرْثِ الزَّوْجَةِ، يَصِحُّ طَلاَقُهُ، كَصِحَّتِهِ، مَا دَامَ كَامِل الأْهْلِيَّةِ. كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى إِرْثِهَا مِنْهُ إِذَا مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِطَلَبِهَا أَمْ لاَ، وَأَمَّا إِذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ: إِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ، مُعَامَلَةً مِنْهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَالَّذِينَ قَالُوا بِتَوْرِيثِهَا انْقَسَمُوا إِلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ:
1) فَفِرْقَةٌ قَالَتْ: لَهَا الْمِيرَاثُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ.
2) وَقَال أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَهَا الْمِيرَاثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ .
3) وَقَال مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: تَرِثُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ أَمْ لَمْ تَكُنْ، تَزَوَّجَتْ أَمْ لَمْ تَتَزَوَّجْ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عِدَّةِ طَلاَقِ الْفَارِّ، فَقَال الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ زَوْجَةَ الْفَارِّ لاَ تَعْتَدُّ بِأَطْوَل الأْجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، أَوْ ثَلاَثَةِ قُرُوءٍ، وَإِنَّمَا تُكْمِل عِدَّةَ الطَّلاَقِ؛ لأِنَّ زَوْجَهَا مَاتَ وَلَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ، لأِنَّهَا بَائِنٌ مِنَ النِّكَاحِ، فَلاَ تَكُونُ مَنْكُوحَةً، وَاعْتِبَارُ الزَّوَاجِ قَائِمًا وَقْتَ الْوَفَاةِ فِي رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الإْرْثِ فَقَطْ، لاَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهَا تَنْتَقِل مِنْ عِدَّةِ الطَّلاَقِ إِلَى الْعِدَّةِ بِأَبْعَدِ الأْجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَعِدَّةِ الطَّلاَقِ احْتِيَاطًا، بِأَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، فَإِنْ لَمْ تَرَ فِيهَا حَيْضَهَا، تَعْتَدُّ بَعْدَهَا بِثَلاَثِ حَيْضَاتٍ. اهـ.
والله أعلم.