الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك، فهذا الذي ذكرته سببه الأول هو تعريض نفسك للفتن، وإقحامها في ما لا تحسنه، رغم صغر السن، وضعف العلم، وقلة الخبرة!! فمناظرة الملحدين الذين يتكلمون بلسان العلم الحديث تحتاج إلى قدم راسخة في علوم الوحي، وعقل متثبت في العلوم المدنية المعاصرة، ولا نظنك في سن الثالثة عشر قد حصلت ذلك ولا قريبا منه، ولذلك فأول ما نوصيك به هو الامتناع التام عن مطالعة كلام الملحدين، والاجتهاد في التخلص من رواسبه العالقة في نفسك، وذلك بالإعراض عن التفكر فيه وعدم الاسترسال معه؛ لأن فحوى شكواك عند التأمل فيها تدور على ما يشبه الوسوسة، وما يتبعها من حيرة واضطراب، ولإيضاح ذلك نقول: قد عرض السائل أدلة وبراهين تدحض بالكلية احتمال المصادفة في وجود الكون، بحيث لا يمكن الشك أبدا في سقوط هذا الاحتمال الباطل، ويبقى الإصرار على فرضه ضربا من الجنون أو الخرافة أو المصادرة على العقل والفكر!! ويكفي في هذا ما ذكره السائل باجتهاده الشخصي ـ كما ذكر ـ أن تسخير جميع الأحداث من بداية الخلق لا يمكن أن يؤدي لتكوين بروتين أولي، فضلا عن تكوين الحمض النووي ـ DNA ـ إلى غير ذلك مما ذكره السائل، ثم يأتي بعد ذلك ويقول: تشير عليّ الملعونة ـ يعني نفسه ـ بإمكانية أن يكون كل هذا بالصدفة!!! فهذا مما لا ينقضي منه العجب، وهو يدل دلالة واضحة على أن الأمر لا يعدو المكابرة أو الوسوسة، وعلى أية حال فاحتمال المصادفة في خلق الكون من الوهاء بحيث صار أضحوكة ومدعاة للسخرية عند كل المنصفين، ولمزيد الفائدة عن ذلك يمكنك الاطلاع على الفتويين رقم: 33504، ورقم: 192989، وتجد فيهما بعض الكتب التي يُوصى بقراءتها.
وأما قول السائل: لم يقال إن القلب موضع الهداية، والقلب ليس إلا مضخّة للدم لا أكثر ولا أقل! فموضوعه محل بحث علمي جاد في العصر الحديث، انتهى إلى إثبات حقائق علمية تؤكد عقلانية القلب ووعيه، فهو يفكر ويدرك ويشعر وينقل المعلومات إلى المخ لتتحرك أعضاء البدن.
هذا مع الإشارة إلى الخلاف القديم بين العلماء في مكان العقل، وهل هو في الدماغ أم في القلب؟ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 184759، وما أحيل عليه فيها.
وأما قول السائل: كيف يدعو الإسلام للتأمل في خلق الله، وبنفس الوقت يمنع التفكير في الغيبيات؟ فجوابه ظاهر: فالمخلوقات المدركة بالحس لا يمكن أن تستوي عند العقلاء مع الغيب الذي لا يمكن أن يستقل العقل بمعرفته، ولا سبيل إلى إدراكه بالحواس، فكان مقتضى الحكمة أن يكون التفكر والتأمل في المخلوقات المدركة التي يتعامل معها الإنسان بعقله وحواسه، ليصل بذلك إلى معرفة شيء من صفات خالقها العلي العظيم، البر الرحيم، العزيز العليم، القدير الحكيم وراجع للفائدة الفتوى رقم: 39560.
وأما قول السائل: لم يقتل الشرع تارك الإسلام، وقد ضمن الإسلام الحرية؟ فراجع في جوابه الفتوى رقم: 170755.
وأخيرا نلفت نظر ابننا السائل إلى أنه لا يحتاج إلى ردود علمية وتفصيل في بيان الشبهات وردها، فقد زار ـ كما أخبرنا ـ مواقع للرد عليها، وإنما يحتاج إلى معونة الله تعالى وهدايته، وفضله ورحمته، وحفظه وتوفيقه، ولذلك فإننا نوصيه بتدبر القرآن ومواصلة تلاوته، وكثرة ذكر الله تعالى، والإلحاح عليه في الدعاء، فإن هذه الثلاثة مفاتيح للتوفيق والهداية، وأسباب للرحمة والإعانة.
والله أعلم.