الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلام ابن القيم الذي يشير إليه السائل هو قوله في كتاب (زاد المعاد 1/167 - 168): ثم كان يرفع رأسه غير رافع يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه، ثم يجلس مفترشاً يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى، وذكر النسائي عن ابن عمر قال: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعه القبلة، والجلوس على اليسرى، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غير هذه.
وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته، ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلق حلقة، ثم يرفع إصبعه يدعو بها ويحركها، وهكذا قال وائل بن حجر عنه.
وأما حديث أبي داود عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها، فهذه الزيادة في صحتها نظر، وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في صحيحه عنه ولم يذكر هذه الزيادة، بل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه.
وأيضاً ليس في حديث أبي داود عنه أن هذا كان في الصلاة، وأيضاً لو كان في الصلاة لكان نافيًّا، وحديث وائل ابن حجر مثبتاً، وهو مقدم، وهو حديث صحيح ذكره أبو حاتم في صحيحه.
ثم كان يقول: رب اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني. هكذا ذكره ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم، وذكر حذيفة أنه كان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي.
وكان هديه صلى الله عليه وسلم إطالة هذا الركن بقدر السجود وهكذا الثابت عنه في جميع الأحاديث وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم وهذه السنة تركها أكثر الناس من بعد انقراض عصر الصحابة ولهذا قال ثابت وكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه يمكث بين السجدتين حتى نقول قد نسي أو قد أوهم .
وأما من حكم السنة ولم يلتفت إلى ما خالفها فإنه لا يعبأ بما خالف هذا الهدي. انتهى كلامه رحمه الله.
وبعد فصل بدأه بقوله: ثم كان ينهض على صدور قدميه وركبتيه معتمدا على فخذيه كما ذكره عنه وائل وأبو هريرة ولا يعتمد على الأرض بيديه...
وكلام ابن القيم المنقول آنفاً وإن كان ابتداء عن الجلوس بين السجدتين إلا أنه لا يفهم منه أن الإشارة بالإصبع تكون في هذا الجلوس، بل في جلوس التشهد لأن الأحاديث التي ساقها أو أشار إليها وفيها الإشارة بالإصبع كحديث ابن عمر وحديث وائل ابن حجر، إنما هي في الجلوس للتشهد لا في الجلسة بين السجدتين.
ويدل على ذلك أيضًا ذكره للقيام إلى الركعة التي تليها بعد كلامه على الجلوس المذكور.
وبتتبعنا لكلام ابن القيم في الجلوس بين السجدتين من خلال كتبه الأخرى لم نجده يذكر الإشارة فيه، وإنما ذكر ذلك حال التشهدين الأول والأخير، قال في كتاب (الصلاة وحكم تاركها 1/242): فإذا جلس في التشهد الأول مفترشا كما يجلس بين السجدتين ويضع يده اليسرى على ركبته اليسرى واليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه السبابة ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى كهيئة الحلقة وجعل بصرة إلى موضع إشارته وكان يرفع إصبعه السبابة ويحنيها قليلا يوحد بها ربه عز وجل.
كما قال في زاد المعاد في موضع آخر (1/242): فإذا جلس للتشهد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه السبابة وكان لا ينصبها نصبا ولا ينيمها بل يحنيها شيئا ويحركها شيئا كما تقدم في حديث وائل بن حجر.
فمما تقدم يتضح أن ابن القيم لم ينص في كلامه على أن الجلوس بين السجدتين يكون فيه الإشارة بالإصبع، ولا نعلم أحداً من الأئمة المتقدمين قال بذلك، وأما تحريكها في هذا الموضع، فقد جزم الشيخ الألباني رحمه الله في تمام المنة (214 - 217) بأنه لم يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.