الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن شأن المؤمن التسليم والانقياد المطلق لأحكام الدين، وتقبلها، واعتقاد حسنها وصلاحيتها، والبعد عن الكراهية لها؛ وذلك لأنها جاءت من لدن حكيم خبير، ودليل هذا قول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65}. وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ {الأحزاب: 36}. بل لا يتم إيمان العبد حتى يكون هواه تَبَعًا للشريعة؛ لما في الحديث: والذي نفسي بيده؛ لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به. رواه ابن عاصم.
وقد عد أهل العلم من نواقض الإسلام: البغض لشيء مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ {محمد:9}.
وأما من كان يفعل المعصية عالمًا بالحرمة اتباعًا لهواه من دون اعتراض على الشرع، ولا تنقيص له، فهو عاص؛ تجب عليه التوبة، ولكنه لا يكفر بذلك؛ فقد جاء في مجموع فتاوى ورسائل العلامة الشيخ العثيمين (2/ 197)
أنه سئل -أعلى الله درجته في المهديين- عن حكم اتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو العكس؟
فأجاب بقوله: اتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يتابعهم في ذلك راضيًا بقولهم مقدمًا له ساخطًا لحكم الله، فهو كافر؛ لأنه كره ما أنزل الله، وكراهة ما أنزل الله كفر، لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}، ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر، فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر.
القسم الثاني: أن يتابعهم في ذلك راضيًا بحكم الله، وعالمًا بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد، ولكن لهوى في نفسه تابعهم في ذلك، فهذا لا يكفر، ولكنه فاسق. فإن قيل: لماذا لا يكفر؟ أجيب: بأنه لم يرفض حكم الله، ولكنه رضي به وخالفه لهوى في نفسه، فهو كسائر أهل المعاصي .... اهـ.
والله أعلم.