الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد :
فلا يجوز لها الخروج للعمل ولا لغيره إلا بإذنك؛ فإن خرجت بغير إذنك فهي ناشز، قال الخطيب الشربيني: وَالنُّشُوزُ يَحْصُلُ بِخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ. اهـ
وإذا كان واقع الحال ما ذكرته عنها، فمُرها بالقعود في البيت، وعدم الخروج للعمل، ما دمت تأخذ راتبك كاملا، وقادرا على النفقة، وقيامها بشؤون أسرتها أولى وأعظم أجرا من خروجها للعمل. فإن أصرت على الخروج بغير إذنك فهي ناشز، وقد أرشد الله الأزواج في حال نشوز زوجاتهم بقوله: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا {النساء:34}.
وقد نص المفسرون والفقهاء على لزوم التدرج على النحو الذي ذكرته الآية الكريمة.
قال الإمام الرازي في تفسيره: والذي يدل عليه نص الآية أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى إلى الضرب، وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريقة الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريقة الأشق. انتهى.
وقال الكاساني الحنفي: فإن كانت ناشزة فله أن يؤدبها، لكن على الترتيب، فيعظها أولاً على الرفق واللين، فلعلها تقبل الموعظة فتترك النشوز، وإلا هجرها، فإن تركت النشوز فبها، وإلا ضربها. انتهى.
والمقصود بالضرب هنا في الآية: هو ضرب الأدب غير المبرح، وهو الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة، قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه .
فإن لم تستجب المرأة بعد ذلك، فيندب للرجل أن يطلقها ولا يمسكها. فقد أخرج الحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يدعون الله، فلا يستجاب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجلٍ مال فلم يشهد عليه، ورجل أعطى سفيهاً ماله، وقد قال عزّ وجل: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ. {النساء:5}.
قال العلامة المناوي في فيض القدير: ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق(بالضم) فلم يطلقها، فإذا دعا عليها لا يستجيب له، لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها، وهو في سعة من فراقها. انتهى.
والله تعالى أعلم.