الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا قد بينا بالفتوى رقم: 53903 ضعف القول بكفر الكاذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولكنه يحرم تعمد الكذب عليه -صلى الله عليه وسلم- لما في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار.
وأما من حصل منه الخطأ في رواية حديث ما ولم يكن متعمدًا: فلا إثم عليه، كما لا يأثم إن صحح الخطأ، ولا سيما إن كان موسوسًا.
ولا يكفر أيضًا من كفر مسلمًا، وقد نص أهل العلم أن لفظة الكفر في الحديث محمولة على الكفر الأصغر، واستدلوا بحديث ثابت بن الضحاك عند البخاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بالكفر فهو كقتله. والقتل ليس كفرًا، وقد شبه به تكفير المؤمن. راجع الفصل لابن حزم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة: فقد سماه أخًا حين القول، وقد قال: فقد باء بها. فلو خرج أحدهما عن الإسلام بالكلية لم يكن أخاه. انتهى.
قال ابن قدامة في المغني: هذه الأحاديث على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على وجه الحقيقة... هذا عن معنى الحديث والمراد بالكفر فيه. اهـ.
ولا يحصل الكفر بمجرد التسمية عند المعصية، ولكن تحرم الاستعانة بها في الفعل المحرم؛ قال الدمياطي في حاشيته على إعانة الطالبين: البسملة مطلوبة في كل أمر ذي بال, أي: حال يهتم به شرعًا؛ بحيث لا يكون محرمًا لذاته, ولا مكروهًا كذلك، ولا من سفاسف الأمور، أي: محقراتها. اهـ.
وقال البجيرمي في حاشيته على الخطيب: والمعتمد أنها تحرم في الحرام - أي: لذاته - كالزنا, وشرب الخمر .... اهـ.
وأما إخبار المسلم عن نفسه بأنه كافر ـ والعياذ بالله ـ: فهو مما يخرج به عن الملة ما لم يكن مكرهًا على ذلك إكراهًا معتبرًا شرعًا، وانظر الفتوى رقم: 173457.
وفي خصوص قولك: "وهل إذا مقدار أحد في نفسي كان له حكم التكفير الظاهر؟" فإن كان القصد منها السؤال عن حكم من لم يطلق الكفر على من كفره ظاهر: فهذا جوابه تقدم في فتوانا رقم: 98395 بعنوان: المقصود بعبارة: من لم يكفر الكافر فهو كافر. وإن كنت تقصد غير ذلك فوضحه.
والله أعلم.