الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فالولاء والبراء من آكد أصول الدين، وقد سبق بيان معناهما وأدلتهما في الفتوى رقم: 32852.
وكون الإنسان لا يعلم أنهما من العقيدة ليس أمرًا مخرجًا عن الملة، فالجهل يعذر به في مثل هذه الأمور، يقول الشيخ/ العثيمين -رحمه الله-: العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قال: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} حتى قال -عز وجل-:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}، ولقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، ولقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}، ولقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي واحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار».
والنصوص في هذا كثيرة، فمن كان جاهلًا فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور الدين، ولكن يجب أن نعلم أن من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي: إنه يذكر له الحق، ولكنه لا يبحث عنه، ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه، ومن يعظمهم ويتبعهم، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور، لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه، شأنه شأن من قال الله عنهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}، وفي الآية الثانية: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}.
فالمهم: أن الجهل الذي يعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق، ولا يذكر له، هو رافع للإثم، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله. اهـ.
وبهذا تعلمين: أنه ليس لك أن تكفري من يجهل عقيدة الولاء والبراء؛ لأنه معذور بجهله.
ثم إن الحكم بالكفر ليس بالأمر الهين، وقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، لا يزول إسلامه بالشك, وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو بفعل أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفرًا أكبر مخرجًا من ملة الإسلام, أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر، ومع ذلك؛ فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توافرت فيه شروط التكفير, وانتفت عنه موانعه, ومن ذلك: أن يكون بالغًا عاقلًا مختارًا غير معذور بجهل أو تأويل، وقد سبق لنا بيان ذلك, وبيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه, وأنه ليس كل من وقع في الكفر يحكم بكفره بمجرد ذلك, وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 721، 106483، 53835, 8106، 122556, 119321، 12800.
والله أعلم.