الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس كل من عاب الصحابة وسبّهم يعتبر كافرا، بل سب الصحابة له مراتب متفاوتة قد ذكرناها في عدة فتاوى منها الفتويين التالية أرقامهما: 2429، 36106.
وأما قولك عن عمر: (إنه ضل وفسق في وقتها) ثم زعمك أنك لا تريدين بذلك عيبه، فهذا من أعظم التناقض، فإن وصف الشخص بالضلال والفسق من أكبر العيب، وهذا ظاهر لكل عاقل لا يحتاج إلى دليل.
ولم يقل أحد من أهل السنة والجماعة إن توعد عمر ـ رضي الله عنه ـ لمن يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، كان فسقا وضلالا، وإنما كان سببه هول ما وقع في نفس عمر من هذا الحدث العظيم، فهو لا يكاد يصدقه، فلا يؤاخذ بما قال، وقد اعتذر لذلك عمر ـ رضي الله عنه ـ حيث قال: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ. رواه البخاري. وفي مسند أحمد أنه قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُفْنِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُنَافِقِينَ.
وأطم مما وصفت به عمر ـ رضي الله عنه ـ ما وصفت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أنهم ضلوا وفسقوا، فهذا من الضلال الذي يجب التوبة منه، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر، وجائز عليهم الصغائر. ولكن جواز الصغائر عليهم لا يعني أنهم يقصدون مخالفة أمر الله، بل بحكم طبيعتهم البشرية، ومن كان هذا حاله لا يسوغ وصفه بالفسق والضلال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير، والحديث، والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف، والأئمة، والصحابة، والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. انتهى. وراجعي الفتوى رقم: 229870.
ولا تكفرين بهذا الاعتقاد لأنك تجهلين حقيقة الأمر، فتعذرين بجهلك، والظاهر أنك تعانين من شيء من الوسوسة.
وأما قتال الصحابة فقد ذكرناه في عدة فتاوى منها الفتوى رقم: 30222، والفتوى رقم: 187905.
والله أعلم.