الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنه لا يجوز إيقاف الإنجاب لأجل السبب المذكور؛ سواء سمينا ذلك تحديدا للنسل أم لا ؛ لأن الإسلام حث على النسل وأمر بالإكثار منه، مع ضمان الله تعالى لرزقه، قال الله عز وجل: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {هود:6}، وقال سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {العنكبوت:60}.
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان: لدي أربعة أولاد ونحن في غربة عن بلدنا، والسفر بهم قطعة من العذاب، والدخل محدود، فما حكم تنظيم الأسرة بالنسبة لي، وذلك لأجل معين حتى نستقر؟ فأجاب فضيلته: تحديد النسل خوفًا من ضيق الرزق لا يجوز، لأن الرزق بيد الله عز وجل، فهو الذي قدر الآجال والأرزاق، وما من مولود يولد إلا وقد قدر له رزقه كما قدر له أجله، والله سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [ سورة الأنعام : آية 151 ] ، فهذا فيه شبه من فعل الجاهلية الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر، إلا أن هذا يعتبر منعًا لحصول الأولاد خشية الفقر والجاهلية يقتلون الأولاد الموجودين خشية الفقر، وعلى كلٍّ فالعلة واحدة، ولا يجوز مثل هذا، والأرزاق بيد الله عز وجل، وتحديد النسل خوفًا من الفقر فيه إساءة ظن بالله عز وجل، فعليك أن تتوكل على الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب، فأحسن الظن بربك، ولا تتطرق إليك هذه الهواجس، فأنت لا تدري الخير والمصلحة، يقول الله سبحانه وتعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة البقرة : آية 216 ] ، وإذا كان هذا التنظيم أو تأخير الحمل لداعٍ صحي بالمرأة ككون المرأة مثلاً لا تطيق الحمل والولادة في حالة خاصة، أو ظرف خاص لمرضها فإنه لا مانع من أن تعطي ما يمنع الحمل مؤقتًا حتى تزول هذه الحالة التي يشق عليها فيها الحمل والولادة، فهذا يكون من باب الوقاية والعلاج لا من باب تحديد النسل أو تأخير النسل خشية الفقر .
وفي فتاوى الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ: إذا كان الدافع عليه هو الفقر أو الحسابات المادية التي يعني بها الكفار عادة، فترى أحدهم يقول: أنا وزوجتي اثنان، وعندي ولدان، وخامسهم كلبهم، فهذا المال الشهري الذي يأتينا يكون على قدر يكفينا، وفقط (خمسة)، هذا لا يجوز في الإسلام؛ لأن الدافع نابع من المنطق الجاهلي الذي وعظوا به نهيا ومنعا، كمثل قول الله تبارك وتعالى: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم. لا سيما والمسلمون مؤمنون بأن المولود يأتي ورزقه معه، لأنه قبل أن يخرج إلى عالم الدنيا قدر عليه رزقه وهو في بطن أمه؛ كما بينت السنة المشرفة، فمثل هذا التنظيم ـ بهذا الدافع له ـ لا يجوز البتة.
وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم: إذا كان المراد تنظيم فترات الحمل لمدة مؤقتة؛ لظروف عائلية أو صحية؛ لضعف المرأة وتضررها بالحمل، أو خطورته على حياتها عند الولادة، أو أنها تحمل قبل فطام طفلها الأول فيحصل بذلك ضرر عليها أو على طفلها ونحو ذلك، ففي مثل هذه الحالات يجوز استعمال الحبوب عند الحاجة إلى استعمالها، وهو شبيه بالعزل الذي كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم أو أسهل منه... وأما إن كان المراد باستعمال الحبوب قطع الحمل بالكلية لكراهة النسل أو خوف من زيادة النفقات عليه إذا كثروا أولاده ونحو ذلك، فهذا لا يحل ولا يحوز؛ لأنه سوء ظن برب العالمين، ومخالف لهدي سيد المرسلين. اهـ
هذا ، وإيقاف النسل جائز عند الحاجة إليه بشروط ذكرناها في الفتوى رقم: 18375.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها : 29896، 249352 ، 121166 وإحالاتهما.
والله أعلم.