الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمجاورة بالمدينة النبوية -على ساكنها الصلاة والسلام- مستحبة؛ قال ابن مفلح -رحمه الله- في الفروع: ومعنى ما جزم به في المغني، وَغَيْرِهِ: أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ, وَأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ, وَذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ: الْمُقَامُ بِالْمَدِينَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ لمن قوي عليه; لأنها مهاجر المسلمين، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ, وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ, وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ، وَفِيهِنَّ: "أَوْ شَهِيدًا" وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ: "وَلَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ, وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ" وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ, فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ, وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. انتهى.
فإذا علمت هذا؛ فإن كان في خروجك من المدينة مصلحة راجحة تعود على المسلمين، فلا حرج في خروجك منها -والحال هذه-، بل قد يكون ذلك أولى من مجاورتك بها لما فيه من النفع المتعدي لعموم المسلمين، كما خرج الصحابة -رضي الله عنهم- من المدينة لمصلحة الجهاد، والدعوة, وتعليم العلم, ونحو ذلك، قال الشيخ/ ابن جبرين -رحمه الله-: قد خرج منها -يعني: المدينة- كثير من الصحابة، ومنهم علي لما انتقل إلى العراق، وابن عباس إلى الطائف, وغيرهم كثير، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أُناسًا يخرجون من المدينة, ثم قال: «والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون» لكن إذا كان خروجهم لمصلحة كتعليم، وجهاد، ودعوة إلى الله، وولاية صالحة، فلا مانع من هذا الخروج، ويُحمل الحديث على من خرج لغير مصلحة، أو لأمر دُنيوي, ونحو ذلك. انتهى.
والحاصل: أن مقامك بالمدينة خير لك إلا إن ترجحت مصلحة تركك لها، وكان في خروجك لهذا الغرض المذكور نفع عام للمسلمين، فخروجك حينئذ أولى.
والله أعلم.