الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في بعض الفتاوى السابقة أن أهل التفسير من السلف الصالح لم يختلفوا في تفسير ما هو قطعي الدلالة، ولا في أصول الدين ولا في الفروع المعلومة من الدين بالضرورة، وأكثر اختلافهم ليس فيما نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هو اختلاف تنوع واجتهاد وتوسعة في المعنى، وليس اختلاف تضاد، ومن أمثلة ذلك تفسيرهم: للصراط المستقيم ـ فقال بعضهم: هو القرآن، وقال بعضهم: هو الإسلام وقال بعضهم: هو طاعة الله ورسوله... ولا تنافي بين هذه الأقوال، وقد يكون اختلافهم اختلاف تضاد فيما يحتمله النص ـ وهو قليل ـ ومن أمثلته اختلافهم في تفسير: ثلاثة قروء ـ فقد فسر بعضهم: القرء ـ بالطهر، وفسره بعضهم بالحيض قال الطبري في التفسير: واختلف أهل التأويل في تأويل القرء الذي عناه الله بقوله: يتربَّصن بأنفسهن ثلاثة قروء ـ فقال بعضهم: هو الحيض، وقال آخرون: بل القرء الذي أمر الله تعالى ذكره المطلقات أن يعتددن به: الطهر. اهـ
وقال الشيخ ولي الله الدهلوي في كتابه: الفوز الكبير في أصول التفسير: من الأمور التي يشتمل عليها التفسير بالمأثور شرح غريب القرآن كذلك، ومبناه على تتبع لغة العرب أو على فهم سياق الآية ومعرفة مناسبة اللفظ بأجزاء الجملة التي وقع فيها، مدخل الاجتهاد في شرح الكلمة: وهنا للعقل مدخل وللاختلاف مجال، إذ إن الكلمة الواحدة تأتي في لغة العرب لمعان شتى، وتختلف العقول والمدارك في تتبع استعمالات العرب، والتفطن إلى السابق واللاحق، ولذلك اختلفت أقوال الصحابة والتابعين ـ رضي الله عنهم ـ في هذا الباب وسلك كل منهم رأيا ومذهبا. اهـ
وقد يكون اختلافهم بسبب توسعهم في سبب النزول كما قال الشيخ ولي الله الدهلوي في كتابه: الفوز الكبير في أصول التفسير: وقد تحقق لدى الفقير أن الصحابة والتابعين ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ كثيرا ما يقولون: "نزلت الآية في كذا" ولا يكون غرضهم إلا تصوير ما تصدق عليه الآية من الأحداث والمعاني، وذكر بعض القصص والوقائع التي تشملها الآية الكريمة لعموم لفظها، سواء كانت القصة متقدمة على نزول الآية أو متأخرة عنها، إسرائيلية كانت أو جاهلية، أو إسلامية تنطبق على جميع قيود الآية أو بعضها. اهـ
هذا فيما يتعلق بالسؤال الأول مع التنبيه على أن قتادة تابعي وليس صحابيا.
ونرحب بإرسالك الأسئلة الأخرى في رسائل أخرى بحيث ترسل كل سؤال في رسالة مستقلة.
والله أعلم.